إجْمَاعَ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ، وَإِلَّا فَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ مَنْعُ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ دُونَ الْعَمَلِ لِنَفْسِهِ، وَبِهِ يَجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيِّ: يَجُوزُ عِنْدَنَا، وَانْتَصَرَ لَهُ الْغَزَالِيُّ كَمَا يَجُوزُ لِمَنْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى تَسَاوِي جِهَتَيْنِ: أَنْ يُصَلِّيَ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ يَمْتَنِعُ إنْ كَانَا فِي حُكْمَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ كَإِيجَابٍ وَتَحْرِيمٍ، بِخِلَافِ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ، وَأَجْرَى السُّبْكِيُّ ذَلِكَ وَتَبِعُوهُ فِي الْعَمَلِ بِخِلَافِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ: أَيْ مِمَّا عَلِمْت نِسْبَتَهُ لِمَنْ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَجَمَعَ شُرُوطَهُ عِنْدَهُ، وَحَمَلَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَ ابْنِ الصَّلَاحِ: لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ غَيْرِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ: أَيْ فِي إفْتَاءٍ أَوْ قَضَاءٍ وَمَحَلِّ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مَا لَمْ يَتَتَبَّعْ الرُّخَصَ فِي سَائِرِ صُوَرِ التَّقْلِيدِ بِحَيْثُ تَنْحَلُّ رِبْقَةُ التَّكْلِيفِ مِنْ عُنُقِهِ وَإِلَّا أَثِمَ بِهِ، بَلْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ فَسَقَ، وَالْأَوْجُهُ خِلَافُهُ.
وَقِيلَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي حَالَةِ تَتَبُّعِهَا مِنْ الْمَذَاهِبِ الْمُدَوَّنَةِ وَإِلَّا فَسَقَ قَطْعًا، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ كَالْآمِدِيِّ مَنْ عَمِلَ بِمَسْأَلَةٍ بِقَوْلِ إمَامٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ فِيهَا بِقَوْلِ غَيْرِهِ اتِّفَاقًا لِتَعَيُّنِ حَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا بَقِيَ مِنْ آثَارِ الْعَمَلِ الْأَوَّلِ مَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَعَ الثَّانِي تَرَكُّبُ حَقِيقَةٍ لَا يَقُولُ بِهَا كُلٌّ مِنْ الْإِمَامَيْنِ، كَتَقْلِيدِ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ، وَمَالِكٍ فِي طَهَارَةِ الْكَلْبِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ ذَكَرَ السُّبْكِيُّ فِي الصَّلَاةِ فِي فَتَاوِيهِ نَحْوَ ذَلِكَ مَعَ زِيَادَةِ إيضَاحٍ فِيهِ، وَتَبِعَهُ جَمْعٌ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالُوا: إنَّمَا يَمْتَنِعُ تَقْلِيدُ الْغَيْرِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِعَيْنِهَا لَا مِثْلِهَا خِلَافًا لِلشَّارِحِ الْمَحَلِّيِّ كَأَنْ أَفْتَى شَخْصٌ بِبَيْنُونَةِ زَوْجَةٍ بِطَلَاقِهَا مُكْرَهًا ثُمَّ نَكَحَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مُوَافِقٌ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ الْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ وَاجِبٌ، فَمَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَمَلُ لِنَفْسِهِ بِالْأَوْجُهِ الضَّعِيفَةِ كَمُقَابِلِ الْأَصَحِّ غَيْرُ صَحِيحِ (قَوْلُهُ: مُنِعَ ذَلِكَ) أَيْ التَّخْيِيرُ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الْإِمَامِ) أَيْ بَيْنَ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيِّ وَقَوْلِ الْإِمَامِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأَجْرَى السُّبْكِيُّ ذَلِكَ) أَيْ التَّفْصِيلَ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَذَاهِبِ) أَيْ أَجْرَى التَّفْصِيلَ فِي غَيْرِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: رِبْقَةُ التَّكْلِيفِ) أَيْ عُقْدَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ) أَيْ فَلَا يَكُونُ فِسْقًا وَإِنْ كَانَ حَرَامًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُرْمَةِ الْفِسْقُ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلشَّارِحِ الْمَحَلِّيِّ) أَيْ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَيْدَ ابْنُ حَجَرٍ، وَزَادَهُ الشَّارِحُ إشَارَةً إلَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَشْتَرِطُ لِصِحَّةِ نِكَاحِ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ بَعْدَ
[حاشية الرشيدي]
الْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ وَاجِبٌ، إنَّمَا هُوَ فِي قَوْلَيْنِ لِإِمَامٍ وَاحِدٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ جَمْعِ الْجَوَامِعِ الَّذِي هَذِهِ عِبَارَتُهُ كَغَيْرِهِ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَلِ فِي قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ هُوَ خُصُوصُ الْعَمَلِ لِلنَّفْسِ، بَلْ الْمُرَادُ كَوْنُهُ الْمَعْمُولُ بِهِ مُطْلَقًا كَمَا لَا يَخْفَى الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ فَمَا اُشْتُهِرَ إلَخْ كَالتَّصْرِيحِ فِي أَنَّ هَذِهِ الشُّهْرَةَ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
فَفِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ ابْنِ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَنَا بِهِ مَا مُلَخَّصُهُ بَعْدَ كَلَامٍ أَسْلَفَهُ: ثُمَّ مُقْتَضَى قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَإِذَا اخْتَلَفَ مُتَبَحِّرَانِ فِي مَذْهَبٍ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي قِيَاسِ أَصْلِ إمَامِهِمَا، وَمِنْ هَذَا تَتَوَلَّدُ وُجُوهُ الْأَصْحَابِ فَتَقُولُ بِأَيِّهَا يَأْخُذُ الْعَامِلُ فِيهِ مَا فِي اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ: أَيْ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ التَّخْيِيرَ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ فِي الْعَمَلِ، يُؤَيِّدُهُ إفْتَاءُ الْبُلْقِينِيِّ بِجَوَازِ تَقْلِيدِ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي الدَّوْرِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ السُّبْكِيّ فِي الْوَقْفِ فِي فَتَاوِيهِ: يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَمَلِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا الْفَتْوَى، وَالْحُكْمِ، فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ انْتَهَى.
فَكَلَامُ الرَّوْضَةِ السَّابِقُ: أَيْ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الشَّرْحِ هُنَا مَعَ زِيَادَةِ التَّصْرِيحِ بِالْوَجْهَيْنِ مَحْمُولٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَمَلِ بِالْوَجْهَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ لِقَائِلٍ وَاحِدٍ، أَوْ شَكَّ فِي كَوْنِهِمَا لِقَائِلٍ أَوْ قَائِلَيْنِ كَمَا فِي قَوْلَيْ الْإِمَامِ،؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ مِنْهُمَا لَمْ يَتَحَرَّرْ لِلْمُقَلِّدِ بِطَرِيقٍ يَعْتَمِدُهُ، أَمَّا إذَا تَحَقَّقَ كَوْنُهُمَا مِنْ اثْنَيْنِ خَرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّخْرِيجِ، فَيَجُوزُ تَقْلِيدُ أَحَدِهِمَا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَتَأَمَّلْهُ حَقَّ التَّأَمُّلِ وَانْظُرْ إلَى فَرْقِهِ آخِرًا بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ لِقَائِلٍ وَاحِدٍ، وَالْوَجْهَيْنِ لِقَائِلَيْنِ تَعْلَمُ مَا فِي تَفْرِيعِ شَيْخِنَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الْمَذْكُورَ بَسَطَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute