أُخْتَهَا مُقَلِّدًا أَبَا حَنِيفَةَ فِي طَلَاقِ الْمُكْرَهِ، ثُمَّ أَفْتَاهُ شَافِعِيٌّ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ الْأُولَى مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَنْ يَطَأَ الثَّانِيَةَ مُقَلِّدًا لِلْحَنَفِيِّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِمَامَيْنِ لَا يَقُولُ بِهِ حِينَئِذٍ كَمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ رَادًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ خِلَافَهُ مُغْتَرًّا بِظَاهِرِ مَا مَرَّ (فَحَيْثُ أَقُولُ فِي الْأَظْهَرِ أَوْ الْمَشْهُورِ فَمِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ) لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
ثُمَّ قَدْ يَكُونُ الْقَوْلَانِ جَدِيدَيْنِ أَوْ قَدِيمَيْنِ، أَوْ جَدِيدًا وَقَدِيمًا، وَقَدْ يَقُولُهُمَا فِي وَقْتَيْنِ أَوْ وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ يُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا وَقَدْ لَا يُرَجَّحُ (فَإِنْ قَوِيَ الْخِلَافُ) لِقُوَّةِ مُدْرِكِهِ (قُلْت الْأَظْهَرُ) الْمُشْعِرُ بِظُهُورِ مُقَابِلِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ ضَعُفَ الْخِلَافُ (فَالْمَشْهُورُ) الْمُشْعِرُ بِغَرَابَةِ مُقَابِلِهِ لِضَعْفِ مُدْرِكِهِ (وَحَيْثُ أَقُولُ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ فَمِنْ الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْأَوْجُهِ) لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَسْتَخْرِجُونَهَا مِنْ كَلَامِهِ وَقَدْ يَجْتَهِدُونَ فِي بَعْضِهَا وَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوهُ مِنْ أَصْلِهِ، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ الْوَجْهَانِ لِاثْنَيْنِ وَقَدْ يَكُونَانِ لِوَاحِدٍ وَاَللَّذَانِ لِلْوَاحِدِ يَنْقَسِمَانِ كَانْقِسَامِ الْقَوْلَيْنِ (فَإِنْ قَوِيَ الْخِلَافُ) لِقُوَّةِ مُدْرِكِهِ (قُلْت الْأَصَحُّ) الْمُشْعِرُ بِصِحَّةِ مُقَابِلِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ ضَعُفَ الْخِلَافُ (فَالصَّحِيحُ) وَلَمْ يُعَبِّرْ بِذَلِكَ فِي الْأَقْوَالِ تَأَدُّبًا مَعَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنْهُ مُشْعِرٌ بِفَسَادِ مُقَابِلِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمَشْهُورَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
طَلَاقِ الْأُخْرَى انْقِضَاءَ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَمْ بَائِنًا (قَوْلُهُ: فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ الْأُولَى إلَخْ) قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذِهِ وَالصَّلَاةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ حَالَ تَلَبُّسِهِ بِهَا لَا يَقُولُ وَاحِدٌ مِنْ الْإِمَامَيْنِ بِصِحَّتِهَا وَحَالَةَ وَطْءِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَقُولُ فِيهَا بِالْجَوَازِ أَحَدُ الْإِمَامَيْنِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِمَامَيْنِ) فِيهِ نَظَرٌ فِي الْأُولَى إذْ قَضِيَّةُ قَوْلِ الثَّانِي فِيهَا أَنَّ الزَّوْجَةَ الْأُولَى بَاقِيَةٌ فِي عِصْمَتِهِ فَالرُّجُوعُ لِلْأُولَى وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ إبَانَةٍ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: مُغْتَرًّا بِظَاهِرِ مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ جَوَازِ الْعَمَلِ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) اسْتِعْمَالُ التَّرَضِّي فِي غَيْرِ الصَّحَابَةِ جَائِزٌ كَمَا هُنَا وَإِنْ كَانَ الْكَثِيرُ اسْتِعْمَالَ التَّرَضِّي فِي الصَّحَابَةِ وَالتَّرَحُّمِ فِي غَيْرِهِمْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قُبَيْلَ بَابِ زَكَاةِ النَّبَاتِ مَا نَصُّهُ: وَيُسَنُّ التَّرَضِّي وَالتَّرَحُّمُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ الْأَخْيَارِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ التَّرَضِّيَ مُخْتَصٌّ بِالصَّحَابَةِ وَالتَّرَحُّمَ بِغَيْرِهِمْ ضَعِيفٌ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: فَحَيْثُ أَقُولُ) أَيْ وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ مَا أُبَيِّنُ فَحَيْثُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَجْتَهِدُونَ فِي بَعْضِهَا وَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوهُ مِنْ أَصْلِهِ) أَيْ وَلَا بُدَّ فِي نِسْبَةِ ذَلِكَ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مِنْ كَوْنِهِ مُوَافِقًا لِأُصُولِهِ وَإِلَّا فَيُنْسَبُ إلَيْهِمْ، وَلَا يُعَدُّ مِنْ مَذْهَبِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (قَوْلُهُ كَانْقِسَامِ الْقَوْلَيْنِ) أَيْ فَيُقَالُ فِيهِمَا الْوَجْهَانِ إذَا كَانَا لِوَاحِدٍ فَقَدْ يَقُولُهُمَا فِي وَقْتَيْنِ أَوْ وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ يُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا وَقَدْ لَا يُرَجَّحُ عَلَى مِنْوَالِ مَا تَقَدَّمَ فِي انْقِسَامِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ وَقَدْ يَقُولُهُمَا فِي وَقْتَيْنِ أَوْ وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ يُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا وَقَدْ لَا يُرَجَّحُ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ثُمَّ إنْ كَانَتْ مِنْ وَاحِدٍ فَالتَّرْجِيحُ بِمَا مَرَّ فِي الْأَقْوَالِ أَوْ مِنْ أَكْثَرَ فَهُوَ بِتَرْجِيحِ مُجْتَهِدٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ) أَيْ قَالَهُ
[حاشية الرشيدي]
شَرَحَهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ أَتَمَّ بَسْطٍ بِمَا يُوَافِقُ مَا فِي فَتَاوِيهِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ الْأُولَى مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَنْ يَطَأَ الثَّانِيَةَ مُقَلِّدًا لِلْحَنَفِيِّ) أَيْ جَامِعًا بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ صَرِيحُ فَتَاوَى وَالِدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْرَضَ عَنْ الثَّانِيَةِ، أَيْ وَإِنْ لَمْ يُبِنْهَا، فَإِنَّ لَهُ وَطْءَ الْأُولَى تَقْلِيدًا لِلشَّافِعِيِّ.
وَأَمَّا قَوْلُ الشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ: فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ لِلْأُولَى، وَيُعْرِضَ عَنْ الثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ إبَانَتِهَا: أَيْ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ فِيهِ نَظَرُ، إذْ قَضِيَّةُ قَوْلِ الثَّانِي فِيهَا أَنَّ الزَّوْجَةَ الْأُولَى بَاقِيَةٌ فِي عِصْمَتِهِ وَأَنَّ الثَّانِيَةَ لَمْ تَدْخُلْ فِي عِصْمَتِهِ، فَالرُّجُوعُ لِلْأُولَى، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ إبَانَةٍ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَجْتَهِدُونَ فِي بَعْضِهَا وَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوهُ مِنْ أَصْلِهِ) وَلَا يُنْسَبُ حِينَئِذٍ لِلشَّافِعِيِّ كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute