مَا صَحَّ عَنْ عُبَادَةَ «كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفِي؟ قُلْنَا نَعَمْ، قَالَ: لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا» وَخَبَرُ «مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» ضَعِيفٌ عِنْدَ الْحُفَّاظِ كَمَا بَيَّنَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: ٢٠] فَوَارِدٌ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ أَوْ مَحْمُولٌ كَخَبَرِ «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» عَلَى الْفَاتِحَةِ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ «كَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ» أَوْ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْهَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَخَبَرِ مُسْلِمٍ «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» مَحْمُولٌ عَلَى السُّورَةِ لِحَدِيثِ عُبَادَةَ وَغَيْرِهِ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّهَا الْقِيَامُ فَلَا تُجْزِئُ فِي نَحْوِ الرُّكُوعِ مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنِّي نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا» وَلِشَرَفِ الْفَاتِحَةِ عَلَى غَيْرِهَا كَثُرَتْ أَسْمَاؤُهَا، فَقَدْ ذَكَرْت لَهَا فِي شَرْحِ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ ثَلَاثِينَ اسْمًا (إلَّا رَكْعَةَ مَسْبُوقٍ) بِهَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَلَا تَتَعَيَّنُ فِيهَا بَلْ يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ إمَامُهُ، إذْ الْأَصَحُّ أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِإِدْرَاكِهِ مَعَهُ رُكُوعَهُ الْمَحْسُوبَ لَهُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ مَعَ ذِكْرِ مَنْ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ مُتَخَلِّفٍ بِعُذْرٍ كَزَحْمَةٍ وَنِسْيَانٍ لِلصَّلَاةِ لَا لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
إلَّا بِالْإِتْيَانِ بِالْجَمِيعِ (قَوْلُهُ: فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ) أَيْ شَقَّتْ عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ الْأَصْوَاتِ خَلْفَهُ، وَقَوْلُهُ «لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفِي» ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْهَهُمْ مِنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَهُ ابْتِدَاءً مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ سَمِعَ قِرَاءَتَهُمْ تَلَطُّفًا بِهِمْ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُمْ فِي تَعْلِيمِهِمْ الْأَحْكَامَ (قَوْلُهُ: لَمَّا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ) أَيْ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ الشَّيْخَيْنِ لِمَا مَرَّ لَهُ مِنْ أَنَّ رِوَايَتَهُمَا: ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ (قَوْلُهُ: فَقَدْ ذَكَرْت لَهَا فِي شَرْحِ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ) عِبَارَتُهُ ثُمَّ وَالْفَاتِحَةُ لَهَا ثَلَاثُونَ اسْمًا: أَشْهَرُهَا الْفَاتِحَةُ، الثَّانِي: الْحَمْدُ لِلَّهِ، الثَّالِثُ: أُمُّ الْكِتَابِ، الرَّابِعُ: أُمُّ الْقُرْآنِ، الْخَامِسُ: الشِّفَاءُ، السَّادِسُ: الشَّافِيَةُ، السَّابِعُ: تَعْلِيمُ الْمَسْأَلَةِ، الثَّامِنُ الْوَاقِيَةُ، التَّاسِعُ سُورَةُ الْوَفَاءِ، الْعَاشِرُ: الْكَافِيَةُ، الْحَادِيَ عَشَرَ: سُورَةُ الْكَافِيَةِ، الثَّانِي عَشَرَ: الرُّقْيَةُ، الثَّالِثَ عَشَرَ: الْأَسَاسُ، الرَّابِعَ عَشَرَ: الصَّلَاةُ، الْخَامِسَ عَشَرَ: سُورَةُ الصَّلَاةِ، السَّادِسَ عَشَرَ: سُورَةُ الْكَنْزِ، السَّابِعَ عَشَرَ: سُورَةُ الثَّنَاءِ، الثَّامِنَ عَشَرَ: سُورَةُ التَّفْوِيضِ، التَّاسِعَ عَشَرَ: الْمَثَانِي، الْعِشْرُونَ: الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: الْمُجْزِئَةُ، الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ الْإِجْزَاءِ، الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: الْمُنَجِّيَةُ، الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: النَّجَاةُ، الْخَامِس وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ الرَّحْمَةِ، السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ النِّعْمَةِ، السَّابِع وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ الِاسْتِعَانَةِ، الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ الْهِدَايَةِ، التَّاسِع وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ الْجَزَاءِ، الثَّلَاثُونَ: سُورَةُ الشُّكْرِ اهـ.
وَعَلَيْهِ فَلَوْ نَذَرَ قِرَاءَةَ سُورَةِ الشُّكْرِ مَثَلًا انْصَرَفَ إلَى الْفَاتِحَةِ (قَوْلُهُ: حَقِيقَةً) أَيْ كَأَنْ وَجَدَهُ رَاكِعًا وَقَوْلُهُ أَوْ حُكْمًا: أَيْ كَأَنْ زَحَمَ عَنْ السُّجُودِ (قَوْلُهُ فَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِإِدْرَاكِهِ) أَيْ وَهَلْ يُثَابُ عَلَى الْقِرَاءَةِ الَّتِي فَاتَتْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّ الثَّوَابَ عَلَى الْفِعْلِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْقِرَاءَةَ، وَالتَّحَمُّلُ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِتَرْكِهِ وَصِحَّةِ الصَّلَاةِ بِدُونِ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ مُتَخَلِّفٍ بِعُذْرٍ إلَخْ) الْأَوْلَى إدْرَاجُ هَذَا فِي الْمَسْبُوقِ حُكْمًا كَأَنْ يَقُولَ: وَسَيَأْتِي أَنَّ مِنْ الْمَسْبُوقِ حُكْمًا كُلُّ مُتَخَلِّفٍ بِعُذْرٍ، أَوْ يَجْعَلُهُ مَثَلًا لِقَوْلِهِ أَوْ حُكْمًا فَيَقُولُ كَمُتَخَلِّفٍ بِعُذْرٍ (قَوْلُهُ: لَا لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ) مُحْتَرَزٌ لِلصَّلَاةِ: أَيْ فَلَا يَكُونُ مُتَخَلِّفًا بِعُذْرٍ، بَلْ إذَا تَذَكَّرَ الْفَاتِحَةَ
[حاشية الرشيدي]
بِهِ كَمَا يَأْتِي
(قَوْلُهُ: فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ) أَيْ شَقَّتْ لِكَثْرَةِ الْأَصْوَاتِ خَلْفَهُ، قَالَهُ شَيْخُنَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَلَا يُنَافِيهِ التَّرَجِّي فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفِي» لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ الْأَصْوَاتِ وَلَا يُمَيِّزُ مَا يَقُولُونَ (قَوْلُهُ: فَلَا تَتَعَيَّنُ) أَشَارَ بِهِ إلَى دَفْعِ مَا قِيلَ إنَّ ظَاهِرَ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ عَنْهُ (قَوْلُهُ: كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ أَيْ الْمَسْبُوقُ الْحَقِيقِيُّ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ مَعَ مَنْ فِي مَعْنَاهُ، فَفِي عِبَارَتِهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّهَا تُوهِمُ أَنَّ الْمَسْبُوقَ الْحُكْمِيَّ غَيْرُ مَنْ فِي مَعْنَى الْمَسْبُوقِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ هُوَ (قَوْلُهُ: لَا لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ) يُخَالِفُ مَا يَأْتِي لَهُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ سَاقِطٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute