للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَبَّرَ عَنْهُ فِي تَحْقِيقِهِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ (وَالْإِمَامُ) يُسَنُّ لَهُ فِي قُنُوتِهِ أَنْ يَأْتِيَ (بِلَفْظِ الْجَمْعِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ الْبَيْهَقِيّ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ، وَحُمِلَ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِهِ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخُصَّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ لِخَبَرِ «لَا يَؤُمَّ عَبْدٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.

نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ النَّصُّ بِهِ لِخَبَرِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ: يَقُولُ: اللَّهُمَّ نَقِّنِي اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي» الدُّعَاءُ الْمَعْرُوفُ، وَثَبَتَ أَنَّ دُعَاءَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَفِي التَّشَهُّدِ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ إلَّا فِي الْقُنُوتِ، فَلِيَكُنْ الصَّحِيحُ اخْتِصَاصَ التَّفْرِقَةِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَدْعِيَةِ الصَّلَاةِ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ: إنَّ أَدْعِيَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّهَا بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ انْتَهَى، فَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَدْعُوَ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَفِي السُّجُودِ وَالرُّكُوعِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ كَمَا يُسْتَحَبُّ فِي الْقُنُوتِ مَرْدُودٌ، وَكَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقُنُوتِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْجَمِيعَ مَأْمُورُونَ بِالدُّعَاءِ، بِخِلَافِ الْقُنُوتِ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يُؤَمِّنُ فَقَطْ، وَلَا تَتَعَيَّنُ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ لِلْقُنُوتِ، بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ فَرْضٌ أَوْ مِنْ جِنْسِهِ، فَلَوْ قَنَتَ بِالْمَرْوِيِّ عَنْ عُمَرَ كَانَ حَسَنًا لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَحْسَنُ، وَيُسَنُّ لِمُنْفَرِدٍ وَإِمَامِ مَنْ مَرَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَيُؤَخِّرُهُ حِينَئِذٍ عَنْ الْأَوَّلِ، وَلَوْ قُلْت بِآيَةٍ نَوَاهُ بِهَا وَتَضَمَّنَتْ دُعَاءً أَوْ نَحْوَهُ كَآخِرِ الْبَقَرَةِ أَجْزَأَتْهُ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَتَضَمَّنْ ذَلِكَ كَتَبَّتْ يَدَا، أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ بِهَا لَمْ يُجْزِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ كَرَاهَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ، وَيُشْتَرَطُ فِي بَدَلِهِ أَنْ يَكُونَ دُعَاءً وَثَنَاءً كَمَا قَالَهُ الْبُرْهَانُ الْبَيْجُورِيُّ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَتُكْرَهُ إطَالَةُ الْقُنُوتِ كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَغَوِيّ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ بِتَطْوِيلِهِ بِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ، وَلَا يُقَالُ: قِيَاسُ امْتِنَاعِ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ عَمْدًا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مُسْتَحَبَّةٌ لِوُرُودِهَا فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ انْتَهَى.

فَسَاقَهَا مَسَاقَ الْجَزْمِ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهَا بِرِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ (قَوْلُهُ: «فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ» ) أَيْ بِتَفْوِيتِهِ مَا طَلَبَ لَهُمْ فَكُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْقُنُوتِ فَهَلْ يَطْلُبُ مِنْ الْمَأْمُومِينَ التَّأْمِينَ حِينَئِذٍ أَوْ الْقُنُوتَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ الْوَارِدُ وَإِنْ قَصَرَ الْإِمَامُ بِتَخْصِيصِهِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يُثِيبُ الْمُؤْمِنَ بِمَا يَزِيدُ عَلَى مَا يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ دُعَاءِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: فَلْيَكُنْ الصَّحِيحُ إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لحج وَعِبَارَتُهُ: وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ وَيُجْمَعُ بِهِ كَلَامُهُمْ وَالْخَبَرُ أَنَّهُ حَيْثُ اخْتَرَعَ دَعْوَةً كُرِهَ لَهُ الْإِفْرَادُ وَهَذَا هُوَ مَحْمَلُ النَّهْيِ، وَحَيْثُ أَتَى بِمَأْثُورٍ اتَّبَعَ لَفْظَهُ (قَوْلُهُ: اخْتِصَاصُ التَّفْرِقَةِ بِهِ) أَيْ الْقُنُوتِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ قَنَتَ بِالْمَرْوِيِّ عَنْ عُمَرَ) أَيْ وَهُوَ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك إلَخْ (قَوْلُهُ: إمَامُ مَنْ مَرَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ وَالْوِتْرِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ) شَامِلٌ لِحَالَةِ الْإِطْلَاقِ (قَوْله تُكْرَهُ إطَالَةُ الْقُنُوتِ) التَّعْبِيرُ بِالْإِطَالَةِ دُونَ قَوْلِهِ تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْقُنُوتِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطَالَةِ الزِّيَادَةُ الَّتِي يَظْهَرُ بِهَا طُولٌ فِي الْعُرْفِ لَا مُجَرَّدُ الزِّيَادَةِ وَإِنْ قَلَّتْ.

وَعِبَارَةُ الْخَطِيبِ: كَانَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَقُولُ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ: اللَّهُمَّ لَا تَعُقْنَا عَنْ الْعِلْمِ بِعَائِقٍ وَلَا تَمْنَعْنَا عَنْهُ بِمَانِعٍ انْتَهَى.

وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ، وَقَوْلُهُ لَا تَعُقْنَا بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْعَيْنِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: مِنْ أَدْعِيَةِ الصَّلَاةِ) هَلْ الْمُرَادُ بِهَا الْمَطْلُوبَةُ فِي الصَّلَاةِ: أَيْ الْمَأْثُورَةِ أَوْ الْمُرَادِ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْهَا فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَأْثُورَةً ظَاهِرُ السِّيَاقِ وَإِضَافَتُهَا إلَى الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ، فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشِّهَابُ حَجّ مِنْ أَنَّ الْوَارِدَ يَتْبَعُ لَفْظَهُ مِنْ جَمْعٍ أَوْ إفْرَادٍ، وَغَيْرُ الْوَارِدِ يَأْتِي فِيهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوَهُ) مِثْلُهُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، وَانْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِنَحْوِ الدُّعَاءِ فَإِنْ كَانَ الثَّنَاءُ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ دُونَ أَوْ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَمْنَعُ كَوْنَ الثَّنَاءِ نَحْوَ الدُّعَاءِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ بِتَطْوِيلِهِ بِهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْبُطْلَانِ إذَا أَطَالَهُ بِخُصُوصِ الْقُنُوتِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطَالَهُ بِغَيْرِهِ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْآتِي خِلَافُهُ، وَيُوَافِقُ مَا اقْتَضَاهُ التَّعْلِيلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>