قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَيَحُطُّ يَدَيْهِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ تَحْتَ صَدْرِهِ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَالْقَصْدُ مِنْ الْقَبْضِ الْمَذْكُورِ تَسْكِينُ الْيَدَيْنِ فَإِنْ أَرْسَلَهُمَا وَلَمْ يَعْبَثْ بِهِمَا فَلَا بَأْسَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْكُوعُ: هُوَ الْعَظْمُ الَّذِي يَلِي إبْهَامَ الْيَدِ، وَالرُّسْغُ: الْمِفْصَلُ بَيْنَ الْكَفِّ وَالسَّاعِدِ وَأَمَّا الْبُوعُ: فَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي يَلِيَ إبْهَامَ الرِّجْلِ.
(وَ) يُسَنُّ لِغَيْرِ مَنْ مَرَّ (الدُّعَاءُ فِي سُجُودِهِ) لِخَبَرِ «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» وَفِي لَفْظٍ «فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.
وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الدُّعَاءُ سِلَاحُ الْمُؤْمِنِ وَعِمَادُ الدِّينِ وَنُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ الْبَلَاءَ لَيَنْزِلُ فَيَتَلَقَّاهُ الدُّعَاءُ فَيَعْتَلِجَانِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ» وَمَأْثُورُ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ وَمِنْهُ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجُلَّهُ، أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَعْتَمِدَ) فِي قِيَامِهِ مِنْ السُّجُودِ وَالْقُعُودِ (عَلَى يَدَيْهِ) أَيْ بَطْنِهِمَا مَبْسُوطَتَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ لِلِاتِّبَاعِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ قَوِيًّا أَوْ ضِدَّهُمَا وَلَا يُتَوَهَّمُ خِلَافُ ذَلِكَ مِنْ تَعْبِيرِ الرَّافِعِيِّ بِأَنَّهُ يَقُومُ كَالْعَاجِنِ بِالنُّونِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ التَّشْبِيهُ بِهِ فِي شِدَّةِ الِاعْتِمَادِ عِنْدَ وَضْعِ يَدَيْهِ لَا فِي كَيْفِيَّةِ ضَمَّ أَصَابِعِهِمَا، وَحَدِيثُ «كَانَ يَضَعُ يَدَيْهِ كَمَا يَضَعُ الْعَاجِنُ» ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ، وَلَوْ صَحَّ كَانَ مَعْنَاهُ مَا مَرَّ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَالْخَبَرُ الصَّحِيحُ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ»
ــ
[حاشية الشبراملسي]
حَالَةَ قَبْضِهِ بِهَا الْيُسْرَى (قَوْلُهُ: وَيَحُطُّ يَدَيْهِ) أَيْ مِنْ الرَّفْعِ الْمُتَقَدِّمِ كَبَقِيَّتِهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ تَحْتَ صَدْرِهِ: أَيْ فِي جَمْعِ الْقِيَامِ إلَى الرُّكُوعِ خَرَجَ بِهِ زَمَنُ الِاعْتِدَالِ فَلَا يَجْعَلُهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ بَلْ يُرْسِلُهُمَا سَوَاءٌ كَانَ فِي ذِكْرِ الِاعْتِدَالِ أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقُنُوتِ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الِاعْتِدَالِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ فَإِذَا انْتَصَبَ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ) أَيْ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالسُّنَّةُ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَالرُّسْغُ) وَالسِّينُ فِي الرُّسْغِ أَفْصَحُ مَحَلِّيٌّ، وَيُسَمَّى الزَّنْدَ أَيْضًا.
قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الزَّنْدُ مُوصِلُ طَرَفِ الذِّرَاعِ فِي الْكَفِّ، وَهُمَا زَنْدَانِ الْكُوعِ وَالْكُرْسُوعِ: أَيْ وَيُقَالُ لِلْكُوعِ زَنْدٌ وَالْكُرْسُوعُ زَنْدٌ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ: وَالزَّنْدُ مَا انْحَسَرَ عَنْهُ اللَّحْمُ مِنْ الذِّرَاعِ وَهُوَ يَرْجِعُ لِقَوْلِ الْمُخْتَارِ مِفْصَلُ طَرَفِ الذِّرَاعِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْبُوعُ: فَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي يَلِي إبْهَامَ الرِّجْلِ) وَالْكُرْسُوعُ: الَّذِي يَلِي خِنْصَرَ الْيَدِ، وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
وَعَظْمٌ يَلِي الْإِبْهَامَ كُوعٌ وَمَا يَلِي ... لِخِنْصَرِهِ الْكُرْسُوعُ وَالرُّسْغُ وَمَا وَسَطَ
وَعَظْمٌ يَلِي إبْهَامَ رِجْلٍ مُلَقَّبٌ ... بِبُوعٍ فَخُذْ بِالْعِلْمِ وَاحْذَرْ مِنْ الْغَلَطِ
(قَوْلُهُ: وَالدُّعَاءُ فِي سُجُودِهِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى الْكَبَائِرِ لِمَا فِي الدُّعَاءِ مِنْ إخْلَاصِ تَوْحِيدِهِ لِأَنَّ الدَّاعِيَ حِينَ يَدْعُو كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا يُحَصِّلُ مَطْلُوبِي أَحَدٌ سِوَاك يَا اللَّهُ (قَوْلُهُ: فَيَتَلَقَّاهُ الدُّعَاءُ) يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ الدُّعَاءُ الْمُتَضَمِّنُ لِرَفْعِ ذَلِكَ الْبَلَاءِ لَا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِيَتَلَقَّاهُ وَبِيَعْتَلِجَانِ: أَيْ وَهَذَا الْأَمْرُ مُسْتَمِرٌّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ الْمَأْثُورِ (قَوْلُهُ: أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ) تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ فِي بَحْثِ السُّجُودِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، رِوَايَةُ هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظٍ: وَأَوَّلُهُ وَآخِرُهُ وَعَلَانِيَتُهُ وَسِرُّهُ (قَوْلُهُ: كَانَ مَعْنَاهُ مَا مَرَّ) أَيْ أَنَّ مَعْنَاهُ التَّشْبِيهُ بِهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَالْقَصْدُ مِنْ الْقَبْضِ الْمَذْكُورِ إلَخْ) لَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ حِكْمَةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّسْكِينَ يَحْصُلُ بِغَيْرِ الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ فَحِكْمَتُهُ مَا مَرَّ،
(قَوْلُهُ: كَالْعَاجِنِ) الْمُرَادُ بِهِ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى بِذَلِكَ لُغَةً، لَكِنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ الْآتِي كَالصَّرِيحِ فِي إرَادَةِ عَاجِنِ الْعَجِينِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَمِنْ إطْلَاقِهِ عَلَى الشَّيْخِ الْكَبِيرِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَأَصْبَحْت كُنْتِيًّا وَأَصْبَحْت عَاجِنًا ... وَسِرُّ خِصَالِ الْمَرْءِ كُنْت وَعَاجِنُ