(وَسَلَامِهِ) بِأَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ، وَهُوَ فَائِدَةُ تَعْبِيرِ كَثِيرٍ بِقُبَيْلَ، وَلَا يَضُرُّ طُولُ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِمَا مَرَّ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهِ قَبْلَ السَّلَامِ مَعَ الزِّيَادَةِ لِقَوْلِهِ عَقِبَهُ فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا، وَلِمَا نُقِلَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ السُّجُودَ قَبْلَ السَّلَامِ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ فَكَانَ قَبْلَ السَّلَامِ كَمَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْهَا، وَأَجَابُوا عَنْ سُجُودِهِ بَعْدَهُ فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَنْ قَصْدٍ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ لِبَيَانِ حُكْمِ السُّجُودِ. وَالْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ لَا فِي الْفَضِيلَةِ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ. وَمُقَابِلُ الْجَدِيدِ قَدِيمَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إنْ سَهَا بِنَقْصٍ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بِزِيَادَةٍ فَبَعْدَهُ.
وَالثَّانِي أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لِثُبُوتِ الْأَمْرَيْنِ، وَسَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ أَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ لِمَنْ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ يَسْجُدُ هُوَ وَالْمَأْمُومُونَ آخِرَ صَلَاةِ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقُومُ هُوَ لِمَا عَلَيْهِ وَيَسْجُدُ آخِرَ صَلَاةِ نَفْسِهِ أَيْضًا، وَلَا يَرِدُ هُنَا إذْ سُجُودُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لِمَحْضِ الْمُتَابَعَةِ كَمَا فِي الْمَسْبُوقِ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ صَلَاتِهِ عَلَى الْآلِ ثُمَّ أَتَى بِهَا وَبِالْمَأْثُورِ حَصَلَ أَصْلُ سُنَّةِ السُّجُودِ وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ، وَلَوْ أَعَادَ التَّشَهُّدَ بَعْدَهُ فَهَلْ تَبْطُلُ لِإِحْدَاثِهِ جُلُوسًا لِانْقِطَاعِ جُلُوسِ تَشَهُّدِهِ بِسُجُودِهِ وَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ أَوْ لَا؟ الْأَوْجَهُ عَدَمُ بُطْلَانِهَا، وَمَا عُلِّلَ بِهِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ ذَلِكَ التَّخَلُّلِ إنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَلَى الْجَدِيدِ (فَإِنْ سَلَّمَ عَمْدًا) بِأَنْ عَلِمَ حَالَ سَلَامِهِ أَنَّ عَلَيْهِ سُجُودَ سَهْوِ (فَاتَ) السُّجُودُ، وَإِنْ قَرُبَ الْفَصْلُ (فِي الْأَصَحِّ) لِقَطْعِهِ لَهُ بِسَلَامِهِ (أَوْ سَهْوًا) أَوْ جَهْلًا أَنَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ عَلِمَ فِيمَا يَظْهَرُ (وَطَالَ الْفَصْلُ) عُرْفًا (فَاتَ فِي الْجَدِيدِ) لِتَعَذُّرِ الْبِنَاءِ بِالطُّولِ كَمَا لَوْ مَشَى عَلَى نَجَاسَةٍ أَوْ أَتَى بِفِعْلٍ أَوْ كَلَامٍ كَثِيرٍ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ كَمَا لَوْ سَلَّمَ نَاسِيًا وَالْقَدِيمُ لَا يَفُوتُ؛ لِأَنَّهُ جُبْرَانُ عِبَادَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَرَاخَى عَنْهَا كَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ (فَلَا) يَفُوتُ (عَلَى النَّصِّ) لِعُذْرِهِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَقِيلَ لَهُ فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ يَفُوتُ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ رُكْنٌ وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ فَلَا يَعُودُ إلَى سُنَّةٍ شُرِعَتْ قَبْلَهُ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَطْرَأْ مَانِعٌ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِلَّا حَرُمَ، كَأَنْ خَرَجَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ أَوْ عَرَضَ مُوجِبُ الْإِتْمَامِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
حِينَئِذٍ أَنْ يَقُولَ لَا وَجْهَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَا يَضُرُّ طُولُ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا) أَيْ السُّجُودِ وَالسَّلَامِ (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ) دَلِيلٌ لِكَوْنِ السُّجُودِ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ (قَوْلُهُ: وَأَجَابُوا عَنْ سُجُودِهِ بَعْدَهُ) أَيْ السَّلَامِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَنْ قَصْدِ) أَيْ السَّلَامِ، وَعِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَهُ كَانَ سَهْوًا لَا مَقْصُودًا: أَيْ وَأَعَادَ السَّلَامَ. اهـ.
وَقَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ جَوَابٌ ثَانٍ (قَوْلُهُ: فِي مَسْأَلَتِنَا) هِيَ قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ أَنَّ الْمُسْتَخْلِفَ إلَخْ (قَوْلُهُ: قَبْلَ صَلَاتِهِ عَلَى الْآلِ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ أَتَى بِهِ قَبْلَ التَّشَهُّدِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ، وَإِنْ طَالَ سُجُودُهُ وَيُعِيدُهُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ (قَوْلُهُ: فَهَلْ تَبْطُلُ) أَيْ صَلَاتُهُ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ كَأَنْ جَلَسَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ جُلُوسُهُ عَلَى قَدْرِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَحْدَثَ جُلُوسَ تَشَهُّدٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُ حَجّ: إنَّهُ إنَّمَا يَضُرُّ التَّشَهُّدُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ إذَا طَالَ بِهِ الْجُلُوسُ لِجَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى مَا لَوْ قَصَدَ بِجُلُوسِهِ الِاسْتِرَاحَةَ وَاتَّفَقَ أَنَّهُ أَتَى فِيهَا بِالتَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ لَمْ يُحْدِثْ جُلُوسَ تَشَهُّدٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا حَرُمَ) أَيْ فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَصِرْ عَائِدًا بِهِ إلَى الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: كَأَنْ خَرَجَ) مِثَالٌ لِقَوْلِهِ
[حاشية الرشيدي]
حُكْمٌ مُقْتَضَبٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ) أَيْ الْمَسْبُوقَ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute