تَعَالَى وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ وَالتَّوْبَةِ، وَالتَّطَهُّرِ مِنْ الرَّذَائِلِ، وَأَفْضَلُهَا الْإِيمَانُ، وَلَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا وَقَدْ يَكُونُ تَطَوُّعًا بِالتَّجْدِيدِ، وَإِذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ كَمَا مَرَّ فَفَرْضُهَا أَفْضَلُ الْفُرُوضِ وَتَطَوُّعُهَا أَفْضَلُ التَّطَوُّعِ، وَلَا يَرِدُ طَلَبُ الْعِلْمِ وَحِفْظُ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ مِنْ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُمَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ.
وَيَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ كَمَا قَالَ (صَلَاةُ النَّفْلِ قِسْمَانِ: قِسْمٌ لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً) بِنَصَبِهِ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ: أَيْ لَا تُسَنُّ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، وَلَوْ صُلِّيَ جَمَاعَةً لَمْ يُكْرَهْ لَا عَلَى الْحَالِ لِفَسَادِ الْمَعْنَى، إذْ مُقْتَضَاهُ نَفْيُ السُّنِّيَّةِ حَالَ الْجَمَاعَةِ لَا الِانْفِرَادُ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ (فَمِنْهُ الرَّوَاتِبُ مَعَ الْفَرَائِضِ) وَهِيَ السُّنَنُ التَّابِعَةُ لَهَا.
وَالْحِكْمَةُ فِيهَا أَنَّهَا تُكَمِّلُ مَا نَقَصَ مِنْ الْفَرَائِضِ بِنَقْصِ نَحْوِ خُشُوعٍ كَتَرْكِ تَدَبُّرِ قِرَاءَةٍ (وَهِيَ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ) يُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُهُمَا لِلِاتِّبَاعِ، وَأَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بِآيَتَيْ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ أَوْ بِالْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَنْ الْمَعْصِيَةِ (قَوْلُهُ: وَالتَّطَهُّرُ مِنْ الرَّذَائِلِ) أَيْ أَنْ يُبْعِدَ نَفْسَهُ بَاطِنًا عَنْهَا (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ تَطَوُّعًا بِالتَّجْدِيدِ) وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي التَّوْبَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَلَّى جَمَاعَةً لَمْ يُكْرَهْ) أَيْ وَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ. اهـ سم عَلَى حَجّ بِالْمَعْنَى.
وَهَلْ الْأَوْلَى تَرْكُ الْجَمَاعَةِ فِيهِ كَمَا مَرَّ فِي اقْتِدَاءِ الْمُسْتَمِعِ بِالْقَارِئِ أَوْ لَا وَيُفَرَّقُ؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ فَيَكُونُ فِعْلُهَا فِي الْجَمَاعَةِ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَقَدْ يُشْعِرُ بِهِ جَعْلُهَا كَذَلِكَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمَحَلِّيِّ فِي التَّرَاوِيحِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّ الِانْفِرَادَ بِهَا أَفْضَلُ كَغَيْرِهَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ لَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى كَوْنِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى حُصُولُ الثَّوَابِ فِيهَا فَإِنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي عَدَمَ الثَّوَابِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمْ يُرِدْ بِكَوْنِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى كَوْنَهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ بَلْ إنَّهُ خِلَافُ الْأَفْضَلِ (قَوْلُهُ: فَمِنْهُ الرَّوَاتِبُ) وَانْظُرْ فِي أَيِّ وَقْتٍ طُلِبَتْ الرَّوَاتِبُ (قَوْلُهُ: وَالْحِكْمَةُ فِيهَا أَنَّهَا تُكَمِّلُ مَا نَقَصَ مِنْ الْفَرَائِضِ) وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْجَابِرَ لِلْفَرَائِضِ هُوَ الرَّوَاتِبُ دُونَ غَيْرِهَا وَلَوْ مِنْ جِنْسِ الْفَرَائِضِ كَصَلَاةِ اللَّيْلِ، وَفِي كَلَامِ سم عَلَى حَجّ تَبَعًا لِظَاهِرِ حَجّ مَا يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ.
وَعِبَارَتُهُ قَوْلُهُ: وَشُرِعَ لِتَكْمِيلِ إلَخْ، عِبَارَةُ الْعُبَابِ: وَإِذَا انْتَقَصَ فَرْضُهُ كُمِّلَ مِنْ نَفْلِهِ وَكَذَا بَاقِي الْأَعْمَالِ اهـ. وَقَوْلُهُ نَفْلُهُ قَدْ يَشْمَلُ غَيْرَ سُنَنِ ذَلِكَ الْفَرْضِ مِنْ النَّوَافِلِ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْحَدِيثِ «فَإِذَا انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْئًا قَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ: اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهِ مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ» اهـ. بَلْ قَدْ يَشْمَلُ هَذَا تَطَوُّعًا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْفَرِيضَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَعِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى الْجَامِعِ عِنْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوَّلُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أُمَّتِي الصَّلَاةَ» إلَخْ. نَصُّهَا: وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَقَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يُوجِبْ شَيْئًا مِنْ الْفَرَائِضِ غَالِبًا إلَّا وَجَعَلَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ نَافِلَةً، حَتَّى إذَا قَامَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ الْوَاجِبِ وَفِيهِ خَلَلٌ مَا يُجْبَرُ بِالنَّافِلَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِهِ، فَلِذَا أَمَرَ بِالنَّظَرِ فِي فَرِيضَةِ الْعَبْدِ، فَإِذَا أَقَامَ بِهَا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ جُوزِيَ عَلَيْهَا وَأُثْبِتَتْ لَهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا خَلَلٌ كُمِّلَتْ مِنْ نَافِلَتِهِ حَتَّى قَالَ الْبَعْضُ: إنَّمَا ثَبَتَتْ لَك نَافِلَةٌ إذَا سَلِمَتْ لَك الْفَرِيضَةُ اهـ.
وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي خِلَافِ مَا اسْتَظْهَرَهُ سم، بَلْ وَقَعَ فِي الْمُنَاوِيِّ أَيْضًا مَا يُصَرِّحُ بِتَخْصِيصِ الْجَبْرِ بِالرَّوَاتِبِ وَعِبَارَتُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْإِنْسَانِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةٍ مَفْصِلٍ» إلَخْ مَا نَصَّهُ: وَخُصَّتْ الضُّحَى بِذَلِكَ لِتَمَحُّضِهَا لِلشُّكْرِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ جَابِرَةً لِغَيْرِهَا بِخِلَافِ الرَّوَاتِبِ. اهـ
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَال: أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِمَشْرُوعِيَّتِهَا الْجَبْرَ لِغَيْرِهَا، وَإِنْ اتَّفَقَ حُصُولُهُ بِهَا فَلَيْسَ أَصْلِيًّا فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا هَذَا وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ نَوَى بِهَا ابْتِدَاءَ جَبْرِ الْخَلَلِ لَمْ تَنْعَقِدْ وَلَوْ عَلِمَ الْخَلَلَ كَتَرْكِهِ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ مَثَلًا (قَوْلُهُ: مَا نَقَصَ مِنْ الْفَرَائِضِ) بَلْ وَلِتَقُومَ فِي الْآخِرَةِ لَا الدُّنْيَا خِلَافًا لِبَعْضِ السَّلَفِ مَقَامَ مَا تَرَكَ مِنْهَا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ. اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: بِآيَتَيْ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ) وَهُمَا قَوْله تَعَالَى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة: ١٣٦] إلَى قَوْلِهِ {مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٦] وَقَوْلُهُ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} [آل عمران: ٦٤] إلَى قَوْلِهِ أَيْضًا {مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ٦٤] (قَوْلُهُ: وَالْإِخْلَاصُ) قَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِأَوْ أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ تَخْفِيفُ الرَّكْعَتَيْنِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا فِيهِ تَطْوِيلٌ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنْ ثَبَتَ وُرُودُ كُلٍّ فِي رِوَايَةٍ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهَا أَفْضَلُ لِيَتَحَقَّقَ الْعَمَلُ بِجَمِيعِ الرِّوَايَاتِ، وَانْظُرْ لَوْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .