للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْأَظْهَرِ) لِمُوَافَقَتِهِ لِلْمَاءِ فِي الطَّهُورِيَّةِ، وَلِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِهِ مُجَرَّدٌ كَدَوْرَةٍ، وَهِيَ لَا تَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِمَزْجِ الْمَاءِ بِهِ فِي النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ يُنَافِي سَلْبَ الطَّهُورِيَّةِ بِهِ، وَالسِّدْرُ أُمِرَ بِهِ فِي تَطْهِيرِ الْمَيِّتِ لِلتَّنْظِيفِ لَا لِلتَّطْهِيرِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ التُّرَابُ الْمُسْتَعْمَلُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّرْكِيبِ، وَالْحُكْمُ يَبْقَى مَا بَقِيَتْ عِلَّتُهُ وَإِنْ انْتَفَى غَيْرُهَا خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ فِي ذَلِكَ، نَعَمْ إنْ كَثُرَ تَغَيُّرُهُ بِهِ بِحَيْثُ صَارَ يُسَمَّى طِينًا سَلَبَهُ الطَّهُورِيَّةَ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ أَنَّهُ يَضُرُّ تَغَيُّرُهُ بِمَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ، وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ التُّرَابَ عَنْ أَمْثِلَةِ الْمُجَاوِرِ، وَأَعَادَ الْبَاءَ مَعَ التُّرَابِ وَعَطَفَ بِأَوْ لِيُفِيدَ أَنَّهُ مُخَالِطٌ، وَالْمُجَاوِرُ مَا يَتَمَيَّزُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ، وَالْمُخَالِطُ مَا لَا يَتَمَيَّزُ.

وَقِيلَ إنَّ الْأَوَّلَ مَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ وَالثَّانِي مَا لَا يُمْكِنُ، وَقِيلَ الْمُتَّبَعُ الْعُرْفُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ التُّرَابَ يَكُونُ مُخَالِطًا عَلَى الْأَصَحِّ لِكَوْنِهِ لَا يَتَمَيَّزُ فِي رَأْي الْعَيْنِ مَادَامَ التَّغَيُّرُ بِهِ مَوْجُودًا مَعَ كُدُورَتِهِ، وَمُجَاوِرًا عَلَى مُقَابِلِهِ وَهُوَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فَصْلُهُ بَعْدَ رُسُوبِهِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ مَنْ أَطْلَقَ كَوْنَهُ مُخَالِطًا أَوْ مُجَاوِرًا عَلَى هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ طَرَحَ بِالْقَصْدِ وَمَا لَوْ طَرَحَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ التُّرَابِ الَّذِي مَعَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ جَزْمًا، وَكَذَا مَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ بِهُبُوبِهَا لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ

(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (الْمُشَمَّسُ) أَيْ مَا سَخَّنَتْهُ الشَّمْسُ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ رَدًّا عَلَى مَا قَالَ: إنَّ حَقَّهُ أَنْ يُعَبِّرَ بِمُتَشَمِّسٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ قَلِيلًا أَمْ كَثِيرًا وَلَوْ مَائِعًا دُهْنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِاطِّرَادِ الْعِلَّةِ فِي الْجَمِيعِ، بَلْ الدُّهْنُ أَوْلَى لِشِدَّةِ سَرَيَانِهِ فِي الْبَدَنِ سَوَاءٌ الْمُشَمَّسُ بِنَفْسِهِ أَمْ لَا، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي الْبَدَنِ فِي طَهَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ اسْتِعْمَالُهُ لِحَيٍّ أَمْ مَيِّتٍ، وَإِنْ أُمِنَ مِنْهُ عَلَى غَاسِلِهِ أَوْ مِنْ إرْخَاءِ بَدَنِهِ أَوْ مِنْ إسْرَاعِ فَسَادِهِ، إذْ فِي اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فِيهِ إهَانَةٌ لَهُ وَهُوَ مُحْتَرَمٌ كَمَا فِي الْحَيَاةِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَبْرَصِ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ عَمَّهُ الْبَرَصُ وَغَيْرُهُ لِخَوْفِ زِيَادَتِهِ أَوْ شِدَّةِ تَمَكُّنِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سَخَّنَتْ مَاءً فِي الشَّمْسِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ» .

وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنَّهُ يَتَأَيَّدُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الِاغْتِسَالَ بِهِ وَقَالَ: إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَدَعْوَى مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ عَنْ الْأَطِبَّاءِ شَيْءٌ وَتُرَدُّ بِأَنَّهَا شَهَادَةُ نَفْيٍ لَا يَحْسُنُ بِهَا رَدٌّ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ إلَّا إنْ كَانَ مُخَالِطًا وَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُخَالَطَةُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِهِ مُجَرَّدُ كُدُورَةٍ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ غَيَّرَ طَعْمَ الْمَاءِ أَوْ رِيحَهُ ضَرَّ وَلَيْسَ مُرَادًا (قَوْلُهُ: مِنْ الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ) هِيَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِهِ إلَخْ، وَالْأُولَى قَوْلُهُ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْمَاءِ (قَوْلُهُ: وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ أَنَّهُ يَضُرُّ) أَيْ فَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الْأَوَّلِ رِعَايَةً لِهَذَا الثَّانِي (قَوْلُهُ: مَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ) اقْتَصَرَ الْمَحَلِّيُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَازِمًا بِهِ (قَوْلُهُ: مَا لَوْ طُرِحَ بِالْقَصْدِ) أَيْ مِنْ بَالِغٍ عَاقِلٍ (قَوْلُهُ: وَمَا لَوْ طَرَحَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ) أَيْ أَوْ بَهِيمَةٌ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُ (قَوْلُهُ: بِهُبُوبِهَا) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ جَزْمًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي التُّرَابِ الطَّاهِرِ وَأَمَّا النَّجَسُ فَسَيَأْتِي

(قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ أَكَانَ قَلِيلًا) أَنَّ الْمُشَمَّسَ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْحَيَاةِ) أَيْ وَهُوَ فِي حَقِّ الْحَيِّ مَكْرُوهٌ فَكَذَا فِي الْمَيِّتِ، وَلَوْ قِيلَ يَحْرُمُ فِي الْمَيِّتِ إنْ عُدَّ إزْرَاءً بِهِ لَمْ يَبْعُدْ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيِّ بِأَنَّ الْحَيَّ هُوَ الْمَدْخَلُ لِلضَّرَرِ بِتَقْدِيرِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَيِّتُ فَإِنَّ الِاسْتِعْمَالَ مِنْ غَيْرِهِ، وَيُؤَيِّدُ الْفَرْقَ مَا قَالُوهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ إزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ وَخُلُوفِ فَمِ الصَّائِمِ مِنْ أَنَّ الْمُزِيلَ لِلْخُلُوفِ هُوَ الصَّائِمُ نَفْسُهُ، بِخِلَافِ دَمِ الشَّهِيدِ فَإِنَّ الْمُزِيلَ غَيْرُهُ، وَبَنَوْا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ سَوَّكَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرُمَ، وَأَنَّ الشَّهِيدَ لَوْ أَزَالَ دَمَهُ بِنَفْسِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ يَحْرُمْ وَإِنْ قَطَعَ بِمَوْتِهِ (قَوْلُهُ: أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سَخَّنَتْ مَاءً) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهِ فِي إنَاءٍ مُنْطَبِعٍ فَالْأَخْذُ بِهِ يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ، وَإِنْ كَانَ مُسَخَّنًا فِي خَزَفٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ يُسْتَنْبَطُ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ» أَشْعُرُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُنْطَبِعِ (قَوْلُهُ: يَا حُمَيْرَاءُ) هُوَ بِالْمَدِّ وَالتَّصْغِيرِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا) قِيلَ وَكَذَا

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَاعِدَتِهِ الْمَارَّةِ فِي حَدِّ مَا فِي الْمَقَرِّ، وَالْمَمَرِّ لَا مُنَاقِضَ لَهَا

(قَوْلُهُ: مَا سَخَّنَتْهُ الشَّمْسُ) أَيْ مِنْ الْمَائِعِ كَمَا يَأْتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>