للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَيَكْفِي فِي إثْبَاتِهِ خَبَرُ مِنْ الَّذِي هُوَ أَعْرَفُ بِالطِّبِّ مِنْ غَيْرِهِ. وَضَابِطُ الْمُشَمَّسِ أَنْ تُؤَثِّرَ فِيهِ السُّخُونَةُ بِحَيْثُ تَفْصِلُ مِنْ الْإِنَاءِ أَجْزَاءً سُمِّيَّةً تُؤَثِّرُ فِي الْبَدَنِ، لَا مُجَرَّدَ انْتِقَالِهِ مِنْ حَالَةٍ لِأُخْرَى بِسَبَبِهَا، وَإِنْ نُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ، وَشَمِلَ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ الْمَاءُ مُغَطًّى حَيْثُ أَثَّرَتْ الشَّمْسُ فِيهِ التَّأْثِيرَ الْمَارَّ وَإِنْ كَانَ الْمَكْشُوفُ أَشَدَّ كَرَاهَةً لِشِدَّةِ تَأْثِيرِهَا فِيهِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي مُنْطَبِعٍ كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ لِيَخْرُجَ بِهِ غَيْرُهُ كَالْخَزَفِ وَالْخَشَبِ وَالْجُلُودِ وَالْحِيَاضِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُنْطَبِعُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِصَفَاءِ جَوْهَرِهِمَا فَلَا يَنْفَصِلُ مِنْهُمَا شَيْءٌ وَلَا فَرْقَ فِيهِمَا، وَفِي الْمُنْطَبِعِ مِنْ غَيْرِهِمَا بَيْنَ أَنْ يَصْدَأَ أَوْ لَا، وَأَمَّا الْمُمَوَّهُ بِأَحَدِهِمَا فَالْأَوْجَهُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَثُرَ التَّمْوِيهُ بِهِ بِحَيْثُ يَمْنَعُ انْفِصَالَ شَيْءٍ مِنْ أَصْلِ الْإِنَاءِ لَمْ يُكْرَهْ، وَإِلَّا كُرِهَ حَيْثُ انْفَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ يُؤَثِّرُ، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي الْإِنَاءِ الْمَغْشُوشِ، وَأَنْ يَكُونَ بِقُطْرٍ حَارٍّ لِيَخْرُجَ الْبَارِدُ كَالشَّامِ وَالْمُعْتَدِلُ كَمِصْرِ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الشَّمْسِ فِيهِمَا ضَعِيفٌ فَلَا يُتَوَقَّعُ الْمَحْذُورُ، وَأَنْ يَكُونَ وَقْتُهَا لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ غَيْرُهُ وَأَنْ يَبْقَى عَلَى حَرَارَتِهِ، فَلَوْ بَرِدَ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ، وَهِيَ شَرْعِيَّةٌ لَا إرْشَادِيَّةٌ.

وَفَائِدَةُ ذَلِكَ الثَّوَابُ وَلِهَذَا قَالَ السُّبْكِيُّ: التَّحْقِيقُ أَنَّ فَاعِلَ الْإِرْشَادِ لِمُجَرَّدِ غَرَضِهِ لَا يُثَابُ، وَلِمُجَرَّدِ الِامْتِثَالِ يُثَابُ وَلَهُمَا يُثَابُ ثَوَابًا أَنْقَصُ مِنْ ثَوَابٍ مِنْ مَحْضِ قَصْدِ الِامْتِثَالِ، وَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي أَرْضٍ أَوْ آنِيَةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ طَعَامٍ جَامِدٍ كَخُبْزٍ عُجِنَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ السُّمِّيَّةَ تُسْتَهْلَكُ فِي الْجَامِدِ فَلَا يُخْشَى مِنْهَا ضَرَرٌ بِخِلَافِهَا فِي الْمَائِعِ، وَإِنْ طَبَخَ بِالنَّارِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُشَمَّسَ إذَا سَخُنَ بِالنَّارِ لَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ، وَهُوَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

كُلُّ حَدِيثٍ فِيهِ يَا حُمَيْرَاءُ (قَوْلُهُ: لَا مُجَرَّدَ انْتِقَالِهِ مِنْ حَالَةٍ لِأُخْرَى) خِلَافًا لِلْخَطِيبِ عَلَى أَبِي شُجَاعٍ (قَوْلُهُ: الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ) اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ مُجَرَّدَ انْتِقَالِهِ (قَوْلُهُ: لِشِدَّةِ تَأْثِيرِهَا فِيهِ) وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى أَنَّ الْمُغَطَّى تَنْحَبِسُ فِيهِ الْأَجْزَاءُ السِّمِّيَّةُ، فَكَانَ أَوْلَى بِالْكَرَاهَةِ كَمَا قِيلَ بِكَرَاهَةِ الْمَكْمُورِ مِنْ اللَّحْمِ وَنَحْوِهِ، بَلْ قِيلَ بِحُرْمَتِهِ كَأَنَّهُ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ التَّأْثِيرِ لِلشَّمْسِ يُتَوَهَّمُ الضَّرَرُ مَعَهَا أَكْثَرَ (قَوْلُهُ: فِي مُنْطَبِعٍ) أَيْ مُطْرَقٍ: أَيْ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُطْرَقْ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: بَيْنَ أَنْ يَصْدَأَ أَوْ لَا) أَيْ فَلَا يُكْرَهُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَإِنْ صَدِئًا وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِهِمَا، وَلَا يُقَالُ إنَّ الصَّدَأَ فِي غَيْرِهِمَا مَانِعٌ مِنْ وُصُولِ الزُّهُومَةِ إلَى الْمَاءِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ بِقُطْرٍ) وَلَوْ خَالَفَ الْبَلَدَ قُطْرَهُ فَالْعِبْرَةُ بِالْبَلَدِ، فَيُكْرَهُ الْمُشَمَّسُ بِحُورَانَ دُونَ الطَّائِفِ.

(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ وَقْتُهَا) أَيْ فِي الصَّيْفِ (قَوْلُهُ فَلَوْ بَرُدَ) مِنْ بَابِ سَهُلَ اهـ مُخْتَارٌ، وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ بَرُدَ الشَّيْءُ بُرُودَةً مِثْلُ سَهُلَ سُهُولَةً إذَا سَكَنَتْ حَرَارَتُهُ، وَأَمَّا بَرَدَ بَرْدًا مِنْ بَابِ قَتَلَ فَيُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا، يُقَالُ بَرَدَ الْمَاءُ وَبَرَدْته فَهُوَ بَارِدٌ وَمَبْرُودٌ، ثُمَّ قَالَ وَبَرَّدْته بِالتَّثْقِيلِ مُبَالَغَةٌ (قَوْلُهُ: زَالَتْ الْكَرَاهَةُ) أَيْ وَلَوْ سُخِّنَ بِالنَّارِ بَعْدُ، قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ: وَبَقِيَ مَا لَوْ بَرَّدَ ثُمَّ شَمَّسَ أَيْضًا فِي إنَاءٍ غَيْرِ مُنْطَبِعٍ فَهَلْ تَعُودُ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا زَالَتْ لِفَقْدِ الْحَرَارَةِ وَقَدْ وَجَدْت، أَوْ لَا تَعُودُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ يُوَجِّهُ إطْلَاقُهُمْ بِاحْتِمَالِ أَنَّ التَّبْرِيدَ أَزَالَ الزُّهُومَةَ أَوْ أَزَالَ تَأْثِيرَهَا أَوْ أَضْعَفَهُ وَإِنْ وُجِدَتْ الْحَرَارَةُ، وَبِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِسَبَبِهَا وَقَدْ زَالَتْ بِالتَّبْرِيدِ، وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدُ سَبَبُهَا وَهُوَ التَّشْمِيسُ بِشُرُوطِهِ، وَبِاحْتِمَالِ أَنَّ الْحَرَارَةَ الْمُؤَثِّرَةَ مَشْرُوطَةٌ بِحُصُولِهَا بِوَاسِطَةِ الْإِنَاءِ الْمُنْطَبِعِ لِخُصُوصِيَّةٍ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى.

أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ زَوَالِ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّ الزُّهُومَةَ بَاقِيَةٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا خَمَدَتْ بِالتَّبْرِيدِ فَإِذَا سَخُنَ أَثَّرَتْ تِلْكَ الزُّهُومَةُ الْخَامِدَةُ (قَوْلُهُ: إذَا سَخُنَ بِالنَّارِ) أَيْ حَالَ حَرَارَتِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ إذَا بَرَدَ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَلِهَذَا قَالَ السُّبْكِيُّ إلَخْ) فِي تَرْتِيبِ هَذَا عَلَى مَا قَبْلَهُ وَقْفَةٌ ظَاهِرَةٌ وَعِبَارَةُ الشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُكْرَهُ مَا نَصُّهُ شَرْعًا لَا طِبًّا فَحَسْبُ انْتَهَتْ، فَأَشْعَرَ كَلَامُهُ أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ شَرْعِيَّةٌ يَقُولُ إنَّ فِيهَا شَائِبَةَ رَشَادٍ مِنْ حَيْثُ الطِّبُّ، فَلَعَلَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَقَوْلَ إلَخْ بِالنَّظَرِ إلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي سِيَاقِهِ قَلَاقَةٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهَا فِي الْمَائِعِ) صُورَتُهُ أَنَّ الْمَائِعَ الْمُشَمَّسَ جُعِلَ حَالَ حَرَارَتِهِ فِي الطَّعَامِ الْمَائِعِ وَطُبِخَ بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ، وَيَأْتِي (قَوْلُهُ: إذَا سُخِّنَ بِالنَّارِ) أَيْ مَعَ بَقَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>