عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالْمُخَالِفِ غَيْرُ صَحِيحٍ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَوْنِ كَثِيرِ الْجَمْعِ أَفْضَلَ مِنْ قَلِيلِهِ صُوَرٌ أَيْضًا: مِنْهَا مَا لَوْ كَانَ قَلِيلُ الْجَمْعِ يُبَادِرُ إمَامَهُ فِي الْوَقْتِ الْمَحْبُوبِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَعَهُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ إمَامُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ سَرِيعَ الْقِرَاءَةِ وَالْمَأْمُومُ بَطِيئُهَا لَا يُدْرِكُ مَعَهُ الْفَاتِحَةَ وَيُدْرِكُهَا مَعَ إمَامِ الْجَمْعِ الْقَلِيلِ قَالَهُ الْفُورَانِيُّ.
وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ قَلِيلُ الْجَمْعِ لَيْسَ فِي أَرْضِهِ شُبْهَةٌ وَكَثِيرُ الْجَمْعِ بِخِلَافِهِ لِاسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ عَلَيْهِ، فَالسَّالِمُ مِنْ ذَلِكَ أَوْلَى، وَلَوْ اسْتَوَى مَسْجِدًا جَمَاعَةً قُدِّمَ الْأَقْرَبُ مَسَافَةً لِحُرْمَةِ الْجِوَارِ، ثُمَّ مَا انْتَفَتْ الشُّبْهَةُ فِيهِ عَنْ مَالِ بَانِيهِ أَوْ وَاقِفِهِ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ.
نَعَمْ إنْ سَمِعَ النِّدَاءَ مُرَتَّبًا فَذَهَابُهُ إلَى الْأَوَّلِ أَفْضَلُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ؛ لِأَنَّ مُؤَذِّنَهُ دَعَاهُ أَوَّلًا.
(وَإِدْرَاكُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ) مَعَ الْإِمَامِ (فَضِيلَةٌ) مَأْمُورٌ بِهَا لِكَوْنِهَا صَفْوَةَ الصَّلَاةِ، وَالْخَبَرُ «مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كُتِبَ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ» وَهَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ غَيْرَ أَنَّهُ مِنْ الْفَضَائِلِ الَّتِي يَتَسَامَحُ فِيهَا (وَإِنَّمَا تَحْصُلُ بِالِاشْتِغَالِ بِالتَّحْرِيمِ عَقِبَ تَحَرُّمِ إمَامِهِ) مَعَ حُضُورِهِ تَكْبِيرَةَ إحْرَامِهِ لِخَبَرِ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ أَوْ تَرَاخَى عَنْهُ فَاتَتْهُ.
لَكِنْ تُغْتَفَرُ الْوَسْوَسَةُ الْخَفِيفَةُ، وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِعَدَمِ اغْتِفَارِهِمْ الْوَسْوَسَةَ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْإِمَامِ بِتَمَامِ رَكْعَتَيْنِ فِعْلِيَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تَكُونُ إلَّا ظَاهِرَةً فَلَا تَنَافِيَ حِينَئِذٍ (وَقِيلَ) تَحْصُلُ (بِإِدْرَاكِ بَعْضِ الْقِيَامِ) ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّحَرُّمِ (وَقِيلَ بِ) إدْرَاكِ (أَوَّلِ رُكُوعٍ) أَيْ بِالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ قِيَامِهَا.
وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ لَمْ يَحْضُرْ إحْرَامَ الْإِمَامِ، وَإِلَّا بِأَنْ حَضَرَهُ وَأَخَّرَ فَاتَتْهُ عَلَيْهِمَا أَيْضًا، وَإِنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً كَمَا حَكَاهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَسِيطِ وَأَقَرَّهُ، وَلَوْ خَافَ فَوْتَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَهْمَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا خِلَافُ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ قِرَاءَةُ هَذَا بِخُصُوصِهِ دُونَ غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: فِي الْوَقْتِ الْمَحْبُوبِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّانِي يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِ الْفَضِيلَةِ، وَعَلَيْهِ فَالصَّلَاةُ خَلْفَ إمَامِ الطَّيْبَرِسِيَّةِ مَثَلًا لَيْسَتْ أَفْضَلَ مِنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ إمَامِ الْأَزْهَرِ لِوُقُوعِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي وَقْتِ الْفَضِيلَةِ، وَمَا فِي سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ لَعَلَّهُ بِاعْتِبَارِ زَمَانِهِ مِنْ أَنَّ إمَامَ الْأَزْهَرِ كَانَ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِ الْفَضِيلَةِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ إمَامُ إلَخْ) وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا لَوْ كَانَ إمَامُ الْجَمْعِ الْقَلِيلِ أَفْضَلَ مِنْ إمَامِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ لِفِسْقِهِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَأْتِي فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَخَيَّرُ) أَيْ حَيْثُ اسْتَوَيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَوْلُهُ نَعَمْ إنْ إلَخْ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ.
(قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا صَفْوَةَ الصَّلَاةِ) أَيْ خَالِصَهَا: أَيْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الِانْعِقَادَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ، فَأُعْطِيَتْ حُكْمُهَا مِنْ اخْتِيَارِهَا عَلَى سَائِرِ الْأَرْكَانِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِيهَا لَمْ تَنْعَقِدْ، وَقَوْلُهُ صَفْوَةُ الصَّلَاةِ إلَخْ: أَيْ كَمَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَلَفْظُهُ كَمَا فِي الشَّيْخِ حَمْدَانَ «لِكُلِّ شَيْءٍ صَفْوَةٌ، وَصَفْوَةُ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى فَحَافِظُوا عَلَيْهَا» (قَوْلُهُ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا) أَيْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ (قَوْلُهُ: لَكِنْ تُغْتَفَرُ الْوَسْوَسَةُ الْخَفِيفَةُ) وَهِيَ الَّتِي لَا يُؤَدِّي الِاشْتِغَالُ بِهَا إلَى فَوَاتِ رُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: وَلَا يَشْكُلُ إلَخْ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ مَا لَا يَطُولُ بِهَا زَمَانٌ عُرْفًا حَتَّى لَوْ أَدَّتْ وَسْوَسَةٌ إلَى فَوَاتِ الْقِيَامِ أَوْ مُعْظَمِهِ فَاتَتْ بِهَا فَضِيلَةُ التَّحَرُّمُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً) وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا الْأُولَى،
ــ
[حاشية الرشيدي]
الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ، ثُمَّ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ مِنْ عَدَمِ حُصُولِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ هُوَ نَقْلٌ بِاللَّازِمِ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ غَيْرُ الشَّارِحِ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الِانْفِرَادَ حِينَئِذٍ أَفْضَلُ.
وَعِبَارَةُ فَتَاوَى وَالِدِ الشَّارِحِ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ الِانْفِرَادَ أَفْضَلُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ نُقِلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِمُخَالِفٍ لَا يَصِحُّ. انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا صَفْوَةَ الصَّلَاةِ) أَيْ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَزَّارِ