التَّكْبِيرَةِ لَوْ لَمْ يُسْرِعْ لَمْ يُسَنُّ لَهُ الْإِسْرَاعُ بَلْ يَمْشِي بِسَكِينَةٍ كَمَا لَوْ أَمِنَ فَوْتَهَا لِخَبَرِ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَخَشِيَ فَوَاتَهُ إلَّا بِهِ أَسْرَعَ كَمَا لَوْ خَشِيَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ امْتَدَّ الْوَقْتُ وَكَانَتْ لَا تَقُومُ إلَّا بِهِ وَلَوْ لَمْ يُسْرِعْ لَتَعَطَّلَتْ أَسْرَعَ أَيْضًا، أَمَّا لَوْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ فَالْمَنْقُولُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ عَدَمُ الْإِسْرَاعِ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ خِلَافَهُ (وَالصَّحِيحُ) إدْرَاكُ) فَضِيلَةِ (الْجَمَاعَةِ) فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ (مَا لَمْ يُسَلِّمْ) الْإِمَامُ، وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ مَعَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تُدْرَكُ إلَّا بِرَكْعَةٍ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ كُلَّهَا رَكْعَةٌ مُكَرَّرَةٌ، فَلَوْ أَتَى بِالنِّيَّةِ وَالتَّحَرُّمِ عَقِبَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَقَبْلَ تَمَامِهَا فَهَلْ يَكُونُ مُحَصِّلًا لِلْجَمَاعَةِ نَظَرًا إلَى إدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَوْ لَا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ إنَّمَا عَقَدَ النِّيَّةَ وَالْإِمَامُ فِي التَّحَلُّلِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ جَزَمَ الْإِسْنَوِيُّ بِالْأَوَّلِ، وَقَالَ: إنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ، وَأَبُو زُرْعَةَ فِي تَحْرِيرِهِ بِالثَّانِي.
قَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ وَهُوَ الْأَقْرَبُ الْمُوَافِقُ لِظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ، وَيُفْهِمُهُ قَوْلُ ابْنِ النَّقِيبِ فِي التَّهْذِيبِ أَخْذًا مِنْ التَّنْبِيهِ: وَتُدْرَكُ بِمَا قَبْلَ السَّلَامِ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، أَمَّا الْجُمُعَةُ فَلَا تُدْرَكُ إلَّا بِرَكْعَةٍ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهَا وَنَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ هُنَا، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَنْ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ أَوَّلِهَا ثُمَّ فَارَقَ بِعُذْرٍ أَوْ خَرَجَ الْإِمَامُ بِنَحْوِ حَدَثٍ، وَمَعْنَى إدْرَاكِهَا حُصُولُ أَصْلِ ثَوَابِهَا، وَأَمَّا كَمَالُهُ فَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِإِدْرَاكِهَا مَعَ الْإِمَامِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا، وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ أَمْكَنَهُ إدْرَاكُ بَعْضِ جَمَاعَةٍ وَرَجَا إقَامَةَ جَمَاعَةٍ أُخْرَى فَانْتِظَارُهَا أَفْضَلُ لِيَحْصُلَ لَهُ كَمَالُ فَضِيلَتِهَا تَامَّةً، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَ أَمْنِ فَوْتِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، وَلَوْ فِي حَالَةِ التَّيَقُّنِ، وَإِلَّا فَعَلَهَا مَعَهُمْ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ فِي مُنْفَرِدٍ رَجَا الْجَمَاعَةَ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ قَصَدَهَا فَلَمْ يُدْرِكْهَا كُتِبَ لَهُ أَجْرُهَا لِحَدِيثٍ فِيهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ دَلِيلًا لَا نَقْلًا.
(وَلْيُخَفِّفْ الْإِمَامُ) اسْتِحْبَابًا (مَعَ فِعْلِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَلَوْ قَالَ الرَّكْعَةُ كَانَ أَوْضَحَ (قَوْلُهُ: بَلْ يَمْشِي بِسَكِينَةٍ) أَيْ وَفِي فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ قَصَدَ امْتِثَالَ أَمْرِ الشَّارِعِ بِالتَّأَنِّي أَنْ يُثِيبَهُ عَلَى ذَلِكَ قَدْرَ فَضِيلَةِ التَّحَرُّمِ أَوْ فَوْقَهَا (قَوْلُهُ: أَسْرَعَ) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ: وَكَانَتْ) أَيْ الصَّلَوَاتُ (قَوْلُهُ: أَسْرَعَ أَيْضًا) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ: عَدَمُ الْإِسْرَاعِ) أَيْ نُدِبَ عَدَمُ الْإِسْرَاعِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ) أَيْ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْجُلُوسُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِلْمُتَابَعَةِ، وَقَدْ فَاتَتْ بِسَلَامِ الْإِمَامِ، فَإِنْ جَلَسَ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ، وَيَجِبُ الْقِيَامُ فَوْرًا إذَا عَلِمَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَا تَنْعَقِدُ جَمَاعَةً بَلْ فُرَادَى كَمَا يُفِيدُهُ التَّرْدِيدُ بَيْنَ حُصُولِ الْجَمَاعَةِ وَعَدَمِ حُصُولِهَا، وَلَوْ أَرَادَ عَدَمَ انْعِقَادِهَا أَصْلًا لَقَالَ هَلْ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ أَوْ لَا.
هَذَا وَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا ثُمَّ رَجَعَ وَاعْتَمَدَ انْعِقَادَهَا فُرَادَى، قَالَ الْخَطِيبُ: وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي انْعِقَادِهَا فُرَادَى مَا لَوْ تَقَارَنَا (قَوْلُهُ: فَلَا تُدْرَكُ إلَّا بِرَكْعَةٍ) أَيْ وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ صَحَّتْ قُدْوَتُهُ، وَحَصَلَتْ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ وَصَلَّى ظُهْرًا، فَقَوْلُهُ أَوَّلًا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ لَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُدْرَكُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ قُبَيْلَ السَّلَامِ، لَا أَنَّ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ لَا تَحْصُلُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الظَّاهِرَ مِنْ عِبَارَتِهِ (قَوْلُهُ: لَوْ أَمْكَنَهُ إدْرَاكُ بَعْضِ جَمَاعَةٍ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ إدْرَاكِ إمَامِ الْأُولَى بَعْدَ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَبَيْنَ إدْرَاكِهِ قَبْلَهُ كَأَنْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْجَمَاعَةِ الْأُولَى أَكْثَرَ أَوْ لَا.
وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ: وَيُسَنُّ لِجَمْعٍ حَضَرُوا وَالْإِمَامُ قَدْ فَرَغَ مِنْ الرُّكُوعِ الْأَخِيرِ أَنْ يَصْبِرُوا إلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ ثُمَّ يَحْرُمُوا مَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ، وَإِنْ خَرَجَ بِالتَّأْخِيرِ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ عَلَى الْأَوْجَهِ، وَكَذَا لَوْ سَبَقَ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ وَرَجَا جَمَاعَةً يُدْرِكُ مَعَهُمْ الْكُلَّ: أَيْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وُجُودُهُمْ وَكَانُوا مُسَاوِينَ لِهَذِهِ الْجَمَاعَةِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ، فَمَتَى كَانَ فِي هَذِهِ شَيْءٌ مِمَّا يُقَدَّمُ بِهِ الْجَمْعُ الْقَلِيلُ كَانَتْ أَوْلَى (قَوْلُهُ: لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا) أَيْ وَهُوَ أَنَّهُ فِيمَا نَحْنُ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute