للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ، قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: وَكَفَى بِهِ فَاسِقًا. وَتُكْرَهُ خَلْفَهُ وَخَلْفَ مُبْتَدِعٍ لَا يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ، وَإِمَامَةُ مَنْ يَكْرَهُهُ أَكْثَرُ الْقَوْمِ لِمَذْمُومٍ فِيهِ شَرْعًا. وَيَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ نَصْبُ الْفَاسِقِ إمَامًا فِي الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِمُرَاعَاةِ الْمَصَالِحِ وَلَيْسَ مِنْهَا أَنْ يُوقِعَ النَّاسَ فِي صَلَاةٍ مَكْرُوهَةٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ حُرْمَةُ نَصْبِ كُلِّ مَنْ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ وَنَاظِرُ الْمَسْجِدِ كَالْوَالِي فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى.

(وَالْأَصَحُّ أَنَّ) (الْأَفْقَهَ) فِي بَابِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ مِنْ الْقُرْآنِ إلَّا الْفَاتِحَةَ (أَوْلَى مِنْ الْأَقْرَإِ) ، وَإِنْ حَفِظَ جَمِيعَ الْقُرْآنِ إذْ الْحَاجَةُ إلَى الْفِقْهِ أَهَمُّ لِعَدَمِ انْحِصَارِ مَا يَطْرَأُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْحَوَادِثِ «وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى مَنْ هُوَ أَقْرَأُ مِنْهُ» ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ الْقُرْآنَ فِي حَيَاتِهِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْمُخْتَارَةُ لِلتَّقَدُّمِ فِي لُقِيِّ الْعُظَمَاءِ وَاحِدُهُمْ وَافِدٌ. انْتَهَى.

وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي حُصُولِ ثَوَابِ الْجَمَاعَةِ لِلْمَأْمُومَيْنِ، وَهَذَا يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ أَحْوَالِ الْأَئِمَّةِ. وَفِي ابْنِ حَجَرٍ وَفِي مُرْسَلٍ «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» وَيَعْضُدُهُ مَا صَحَّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي إلَخْ (قَوْلُهُ: وَتَكْرَهُ خَلْفَهُ) أَيْ الْفَاسِقِ، وَإِذَا لَمْ تَحْصُلُ الْجَمَاعَةُ إلَّا بِالْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ لَمْ يُكْرَهُ الِائْتِمَامُ طب م ر اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. (قَوْلُهُ: وَإِمَامَةُ مَنْ يَكْرَهُهُ أَكْثَرُ الْقَوْمِ إلَخْ) أَيْ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ لِيُصَلِّيَ إمَامًا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ حَيْثُ كَانَ عَدْلًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ارْتِكَابِهِ الْمَذْمُومَ نَفْيُ الْعَدَالَةِ.

ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْمُنَاوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا رَجُلٍ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ» إذْ فِيهِ مَا نَصُّهُ: أَيْ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَؤُمَّهُمْ إنْ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ: أَيْ بِأَنْ كَانَ فِيهِ أَمْرٌ مَذْمُومٌ شَرْعًا كَوَالٍ ظَالِمٍ، وَمَنْ تَغَلَّبَ عَلَى إمَامَةِ الصَّلَاةِ وَلَا يَسْتَحِقُّهَا، أَوْ لَا يَتَحَرَّزُ عَنْ النَّجَاسَةِ، أَوْ يَمْحُو هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ، أَوْ يَتَعَاطَى مَعِيشَةً ذَمِيمَةً، أَوْ يُعَاشِرُ الْفُسَّاقَ وَنَحْوَهُمْ.

وَكَرِهَهُ الْكُلُّ لِذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، فَإِنْ كَرِهَهُ أَكْثَرُهُمْ كُرِهَ لَهُ. وَعُلِمَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الْحُرْمَةَ أَوْ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا هِيَ فِي حَقِّهِ، أَمَّا الْمُقْتَدُونَ الَّذِينَ يَكْرَهُونَهُ فَلَا تُكْرَهُ لَهُمْ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ. وَظَنُّ بَعْضِ أَعَاظِمِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدَةٌ وَهْمٌ. اهـ. وَنُقِلَ عَنْ حَوَاشِي الرَّوْضِ لِوَالِدِ الشَّارِحِ التَّصْرِيحُ بِالْحُرْمَةِ عَلَى الْإِمَامِ فِيمَا لَوْ كَرِهَهُ كُلُّ الْقَوْمِ وَعِبَارَتُهُ نَصُّهَا: هَذِهِ الْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَرِهَهُ كُلُّهُمْ فَإِنَّهَا لِلتَّحْرِيمِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا وَهُمْ يَكْرَهُونَهُ، وَالْإِسْنَوِيُّ ظَنَّ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدَةٌ فَقَالَ: وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ لِلتَّحْرِيمِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ.

وَنَقَلَهُ فِي الْحَاوِي عَنْ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ لَفْظَهُ الْمُتَقَدِّمَ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ. اهـ بِحُرُوفِهِ. أَقُولُ: وَالْحُرْمَةُ مَفْهُومُ تَقْيِيدِ الشَّارِحِ الْكَرَاهَةَ بِكَوْنِهَا مِنْ أَكْثَرِ الْقَوْمِ (قَوْلُهُ: أَكْثَرُ الْقَوْمِ) مَفْهُومُهُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ، وَقَوْلُهُ لِمَذْمُومٍ فِيهِ شَرْعًا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مُرْتَكِبَ خَارِمِ الْمُرُوءَةِ لَا يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَا تُكْرَهُ لَهُ الْإِمَامَةُ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي أَخْذِ ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ بَلْ الْقِيَاسُ الْكَرَاهَةُ، بَلْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ خَارِمَ الْمُرُوءَةِ مَذْمُومٌ شَرْعًا، وَمِنْ ثَمَّ حَرُمَ عَلَى مَنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِشَهَادَةِ ارْتِكَابِ مَا يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ لِئَلَّا تُرَدَّ شَهَادَتُهُ (قَوْلُهُ: لِمَذْمُومٍ فِيهِ شَرْعًا) أَمَّا لَوْ كَرِهُوهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ فِي حَقِّهِ بَلْ اللَّوْمُ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ حُرْمَةُ نَصْبِ إلَخْ) أَيْ وَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ كَمَا قَالَهُ حَجّ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَحُسْنُ الصَّوْتِ إلَخْ: وَالرَّاتِبُ مَنْ وَلَّاهُ النَّاظِرُ وِلَايَةً صَحِيحَةً بِأَنْ لَمْ يُكْرَهْ الِاقْتِدَاءُ بِهِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ الْمُقْتَضَى عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ التَّوْلِيَةُ. اهـ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ تَصِحَّ تَوْلِيَتُهُ لَا يَسْتَحِقُّ مَا رَتَّبَ الْإِمَامُ (قَوْلُهُ: وَنَاظِرُ الْمَسْجِدِ) أَيْ إذَا كَانَتْ التَّوْلِيَةُ لَهُ.

(قَوْلُهُ: أَوْلَى مِنْ الْأَقْرَإِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَارِيًّا وَغَيْرُهُ مَسْتُورٌ، وَيَنْبَغِي خِلَافُهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْعَارِي (قَوْلُهُ: فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ الْقُرْآنَ» إلَخْ) قَالَ الْجَعْبَرِيُّ فِي شَرْحِ الرَّائِيَّةِ: وَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ حَفِظُوا الْقُرْآنَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثِيرُونَ.

فَمِنْ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>