الْفَاتِحَةَ فِيهَا فَرَكَعَ عَقِبَهَا، كَمَا قَالَ الشَّيْخُ إنَّهُ الْأَقْرَبُ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ فِي قَوْلِهِ بِسُقُوطِ الْفَاتِحَةِ عَنْهُ أَوْ سَهَا عَنْهَا حَتَّى رَكَعَ إمَامُهُ.
أَمَّا الْمُتَخَلِّفُ لِوَسْوَسَةٍ ظَاهِرَةٍ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْهَا كَمُتَعَمِّدِ تَرْكِهَا فَلَهُ التَّخَلُّفُ لِإِتْمَامِهَا إلَى أَنْ يَقْرَبَ إمَامُهُ مِنْ فَرَاغِ الرُّكْنِ الثَّانِي فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهُ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَيْهِ لِإِتْمَامِهِ لِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ بِشُرُوعِ الْإِمَامِ فِيمَا بَعْدَهُ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ اسْتِمْرَارِ الْوَسْوَسَةِ بَعْدَ رُكُوعِ الْإِمَامِ أَوْ تَرْكِهِ لَهَا بَعْدَهُ، إذْ تَفْوِيتُ إكْمَالِهَا قَبْلَ رُكُوعِ إمَامِهِ نَشَأَ مِنْ تَقْصِيرِهِ بِتَرْدِيدِهِ الْكَلِمَاتِ مِنْ غَيْرِ بُطْءٍ خِلْقِيٍّ فِي لِسَانِهِ سَوَاءٌ أَنَشَأَ ذَلِكَ مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي التَّعَلُّمِ، أَمْ مِنْ شَكِّهِ فِي إتْمَامِ الْحُرُوفِ أَيْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا فَلَا يُفِيدُهُ تَرْكُهُ بَعْدَ رُكُوعِ إمَامِهِ رَفْعَ ذَلِكَ التَّقْصِيرِ، خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ حَيْثُ بَحَثَ الْفَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ وَجَعَلَ مَحَلَّ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَ اسْتِمْرَارِهَا بَعْدَ رُكُوعِ إمَامِهِ، فَإِنْ تَرَكَهَا بَعْدَهُ اُغْتُفِرَ لَهُ التَّخَلُّفُ بِإِكْمَالِهَا مَا لَمْ يَسْبِقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ.
إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ الْآنَ.
وَلَوْ نَامَ فِي تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ مُتَمَكِّنًا ثُمَّ انْتَبَهَ فَوَجَدَ إمَامَهُ رَاكِعًا قَامَ وَقَرَأَ وَجَرَى عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ مَا لَمْ يَسْبِقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ كَالنَّاسِي كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ يَرْكَعُ مَعَ الْإِمَامِ وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْفَاتِحَةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْبُوقٍ وَلَا فِي حُكْمِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَزْحُومِ حَيْثُ يَرْكَعُ مَعَ إمَامِهِ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ فَوَجَدَهُ رَاكِعًا إلْزَامُهُ بِمَا فَاتَ بِهِ مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ هَذَا.
وَقَدْ أَفْتَى جَمْعٌ فِيمَنْ سَمِعَ تَكْبِيرَ الرَّفْعِ مِنْ سَجْدَةِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَجَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ ظَانًّا أَنَّ الْإِمَامَ يَتَشَهَّدُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ كَمَنْ اشْتَغَلَ بِسُنَّةٍ بَعْدَ التَّحَرُّمِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ سَهَا عَنْهَا) أَيْ فَإِنْ تَرَكَ قِرَاءَتَهَا عَمْدًا حَتَّى رَكَعَ إمَامُهُ لَا يَكُونُ مَعْذُورًا.
(قَوْلُهُ: لِوَسْوَسَةٍ ظَاهِرَةٍ) لَمْ يُبَيِّنْ ضَابِطَهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّ التَّخَلُّفَ لَهَا: أَيْ الْوَسْوَسَةِ إلَى تَمَامِ رُكْنَيْنِ يَسْتَلْزِمُ ظُهُورَهَا اهـ أَنَّ ضَابِطَ الْوَسْوَسَةِ مَا يُؤَدِّي إلَى التَّخَلُّفِ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ (قَوْلُهُ: مِنْ فَرَاغِ الرُّكْنِ الثَّانِي) بِأَنْ يَشْرَعَ فِي هُوِيِّ السُّجُودِ بِحَيْثُ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ حَدِّ الْقِيَامِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ بَعْدَ فَرَاغِهِ) تَفْسِيرٌ لِلشَّكِّ فِي إتْمَامِ الْحُرُوفِ، وَقَوْلُهُ مِنْهَا: أَيْ مِنْ الْفَاتِحَةِ.
أَمَّا لَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ بَعْضِ الْحُرُوفِ قَبْلَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ وَجَبَتْ إعَادَتُهُ وَهُوَ مَعْذُورٌ، وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَشُكَّ أَنَّهُ أَتَى بِجَمِيعِ الْكَلِمَاتِ أَوْ تَرَكَ بَعْضَهَا كَأَنْ شَكَّ قَبْلَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ فِي الْبَسْمَلَةِ فَرَجَعَ إلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ فَرَاغِ الْكَلِمَةِ فِي أَنَّهُ أَتَى بِحُرُوفِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ فِيهَا مِنْ نَحْوِ الْهَمْسِ وَالرَّخَاوَةِ فَأَعَادَهَا لِيَأْتِيَ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ فَإِنَّهُ مِنْ الْوَسْوَسَةِ فِيمَا يَظْهَرُ.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ) أَيْ ابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: عِنْدَ اسْتِمْرَارِهَا) أَيْ الْوَسْوَسَةِ.
(قَوْلُهُ: بَعْدَ رُكُوعِ إمَامِهِ) مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الْبَعْضِ
(قَوْلُهُ: إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ) أَيْ الْمَأْمُومُ، وَقَوْلُهُ فَوَجَدَهُ رَاكِعًا: أَيْ الْإِمَامَ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ أَفْتَى جَمْعٌ فِيمَنْ سَمِعَ تَكْبِيرَةَ الرَّفْعِ) بَقِيَ مَا لَوْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ جَمَاعَةٌ فَكَبَّرَ شَخْصٌ لِلْإِحْرَامِ فَظَنَّ أَحَدُ الْمَأْمُومِينَ أَنَّ الْإِمَامَ رَكَعَ فَرَكَعَ قَبْلَ تَمَامِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَرْكَعْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِلْقِيَامِ، لَكِنْ هَلْ يُعَدُّ الرُّكُوعُ الْمَذْكُورُ قَاطِعًا لِلْمُوَالَاةِ فَيَسْتَأْنِفُ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَوْ لَا وَإِنْ طَالَ فَيُتِمُّ عَلَيْهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّ رُكُوعَهُ مَعْذُورٌ فِيهِ فَأَشْبَهَ السُّكُوتَ الطَّوِيلَ سَهْوًا وَهُوَ لَا يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ، وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ كَانَ مَسْبُوقًا فَرَكَعَ وَالْحَالَةُ مَا ذَكَرَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَرْكَعْ فَقَامَ ثُمَّ رَكَعَ الْإِمَامُ عَقِبَ قِيَامِهِ فَهَلْ يَرْكَعُ مَعَهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
نَبَّهَ عَلَيْهِ الشِّهَابُ حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُقَالُ إنَّهُ يَرْكَعُ مَعَ الْإِمَامِ) أَيْ الَّذِي قَالَ بِهِ الشِّهَابُ حَجّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَفْتَى جَمْعٌ إلَى قَوْلِهِ هَذَا وَالْأَوْجَهُ) تَبِعَ فِي هَذَا السِّيَاقِ الشِّهَابَ حَجّ إلَى قَوْلِهِ هَذَا وَالْأَوْجَهُ، لَكِنَّ ذَاكَ إنَّمَا أَوْرَدَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَارُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ نَامَ فِي تَشَهُّدِهِ أَنَّهُ كَالْمَزْحُومِ فَجَعَلَ هَذَا اسْتِظْهَارًا عَلَى اخْتِيَارِهِ لِذَلِكَ، وَالشَّارِحُ تَبِعَهُ فِي إيرَادِهِ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ غَيْرِ تَصَرُّفٍ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا مَرَّ مِمَّا يُخَالِفُ الشِّهَابَ الْمَذْكُورَ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْقِعٌ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ وَإِنْ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ هَذَا وَالْأَوْجَهُ إلَخْ، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَسْتَظْهِرَ عَلَى اخْتِيَارِهِ بِإِفْتَاءِ الْآخَرِينَ الْآتِي