للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَلَا تُنَجِّسُ مَائِعًا) كَزَيْتٍ وَخَلٍّ، وَكُلِّ رَطْبٍ بِمَوْتِهَا فِيهِ (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا، وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخِرِ شِفَاءً زَادَ أَبُو دَاوُد وَأَنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ» أَمَرَ بِغَمْسِهِ وَغَمْسُهُ يُفْضِي إلَى مَوْتِهِ، فَلَوْ نَجَّسَ لَمَا أَمَرَ بِهِ، وَقِيسَ بِالذُّبَابِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ مَيْتَةٍ لَا يَسِيلُ دَمُهَا، وَخَرَجَ مَا لَهَا دَمٌ سَائِلٌ كَحَيَّةٍ وَضُفْدَعٍ، وَلَوْ شَكَكْنَا فِي كَوْنِهَا مِمَّا يَسِيلُ دَمُهَا اُمْتُحِنَ بِجُرْحِ شَيْءٍ مِنْ جِنْسِهَا لِلْحَاجَةِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيه، وَالثَّانِي تَنَجُّسُهُ كَغَيْرِهَا، فَإِنْ غَيَّرَتْهُ الْمَيْتَةُ لِكَثْرَتِهَا وَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَائِعِ أَوْ الْمَاءِ الْقَلِيلِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى قِلَّتِهِ أَوْ طُرِحَتْ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهَا نَجَّسَتْهُ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا نَشْؤُهُ مِنْهُ، أَمَّا طَرْحُهَا فِيهِ حَيَّةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّا نَشْؤُهُ مِنْهُ فَغَيْرُ ضَارٍ كَمَا لَوْ وَقَعَتْ بِنَفْسِهَا حَيْثُ لَا تَغَيُّرَ مِنْهَا.

وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ فِي ذَلِكَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَهْجَةِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا، وَاعْتَمَدَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَفْتَى بِهِ أَنَّهَا إنْ طُرِحَتْ حَيَّةً لَمْ يَضُرَّ سَوَاءٌ أَكَانَ نَشْؤُهَا مِنْهُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَمَاتَتْ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا إنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ وَإِنْ طُرِحَتْ مَيْتَةً

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَهُمَا اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا انْتَهَى. وَجُوِّزَ فِيهِ: أَيْ سَامُّ أَبْرَصَ أَنْ يُعْرَبَ إعْرَابَ الْمُتَضَايِفَيْنِ وَأَنْ يُعْرَبَ إعْرَابَ الْمُرَكَّبِ الْمَزْجِيِّ (قَوْلُهُ: لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا) .

[فَائِدَةٌ] لَا يَجِبُ غَسْلُ الْبَيْضَةِ وَالْوَلَدِ إذَا خَرَجَا مِنْ الْفَرْجِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا رُطُوبَةٌ نَجِسَةٌ انْتَهَى رَوْضٌ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً) أَيْ وَهُوَ الْيَسَارُ خَطِيبٌ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ قُطِعَ جَنَاحُهَا الْأَيْسَرُ لَا يُنْدَبُ غَمْسُهَا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، بَلْ قِيَاسُ مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ حُرْمَةِ غَمْسِ غَيْرِ الذُّبَابِ حُرْمَةُ غَمْسِ هَذِهِ الْآنَ لِفَوَاتِ الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْغَمْسِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ شَكَكْنَا فِي كَوْنِهَا إلَخْ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى مَنْهَجٍ: وَانْظُرْ لَوْ شَكَّ هَلْ هُوَ مِمَّا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ، أَوْ أَنَّ الْمَيْتَةَ مِمَّا يَسِيلُ دَمُهَا وَيَتَّجِهُ الْعَفْوُ فِيهِمَا كَمَا وَافَقَ عَلَيْهِ م ر؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ انْتَهَى بِحُرُوفِهِ. أَقُولُ: وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا، وَسُقُوطُهُ رُخْصَةٌ لَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي: فَلَوْ شَكَّ هَلْ وَقَعَ فِي حَالِ الْحَلْبِ أَوْ لَا؟ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يُنَجِّسُ إذْ شَرْطُ الْعَفْوِ لَمْ نَتَحَقَّقُهُ.

[فَائِدَةٌ] لَوْ تَوَلَّدَ حَيَوَانٌ بَيْنَ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ وَبَيْنَ مَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فَالْقِيَاسُ إلْحَاقُهُ بِمَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ كَمَا هُوَ قِيَاسُ نَظِيرِهِ فِيمَا لَوْ تَوَلَّدَ بَيْنَ طَاهِرٍ وَنَجِسٍ (قَوْلُهُ: اُمْتُحِنَ بِجَرْحِ شَيْءٍ مِنْ جِنْسِهَا) وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ جَرْحُ وَاحِدَةٍ فَقَطْ. وَعِبَارَةُ ابْنِ قَاسِمٍ فِي حَاشِيَةِ الْبَهْجَةِ قَوْلُهُ فَيَجْرَحُ لِلْحَاجَةِ فِيهِ أَنَّ جَرْحَ بَعْضِ الْأَفْرَادِ لَا يُفِيدُ لِجَوَازِ مُخَالَفَتِهِ لِجِنْسِهِ لِعَارِضٍ وَجَرْحُ الْكُلِّ لَا يُمْكِنُ إلَّا أَنْ يُقَالَ جَرْحُ الْبَعْضِ إذَا كَثُرَ يَحْصُلُ بِهِ الظَّنُّ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ التَّنْجِيسُ بِالشَّكِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الظَّاهِرُ مِنْ وُجُودِ الدَّمِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ أَنَّ الْجِنْسَ كَذَلِكَ، وَمُخَالَفَةُ بَعْضِ الْأَفْرَادِ لِلْجِنْسِ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَالْغَالِبِ، وَكُتِبَ أَيْضًا قَوْلُهُ فَيَخْرُجُ لِلْحَاجَةِ يَتَّجِهُ أَنَّ لَهُ الْإِعْرَاضَ عَنْ ذَلِكَ وَالْعَمَلُ بِالطَّهَارَةِ حَيْثُ احْتَمَلَ أَنَّهُ مِمَّا لَا يَسِيلُ دَمُهُ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ هِيَ الْأَصْلُ وَلَا تَنْجُسُ بِالشَّكِّ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ: نَشْؤُهَا مِنْهُ أَمْ لَا) أَيْ بِفَتْحِ النُّونِ وَبِالْهَمْزِ بِرّ انْتَهَى ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ أَمَاتَتْ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا) أَيْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ وَلَمْ تُطْرَحْ إلَخْ لَوْ طَرَحَ طَارِحٌ حَيَّةً فَمَاتَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا الْمَائِعَ أَوْ مَيْتَةً فَحَيِيَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا لَمْ تَضُرَّ فِي الْحَالَيْنِ، أَفَادَهُ شَيْخُنَا طب وَاعْتَمَدَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَإِنْ طُرِحَتْ مَيْتَةٌ) أَيْ إنْ لَمْ تَحْيَا قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ تُنَجِّسْهُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْوُصُولِ دُونَ الْإِلْقَاءِ وَبَقِيَ مَا لَوْ طُرِحَتْ مَيْتَةٌ ثُمَّ أُحْيِيَتْ ثُمَّ مَاتَتْ هَلْ تُنَجِّسُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَيَحْتَمِلُ الثَّانِي لِكَوْنِهَا مَا سَقَطَتْ إلَّا بَعْدَ إحْيَائِهَا

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>