ضَرَّ سَوَاءٌ أَكَانَ نَشْؤُهَا مِنْهُ أَمْ لَا، وَأَنَّ وُقُوعَهَا بِنَفْسِهَا لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا فَيُعْفَى عَنْهُ كَمَا يُعْفَى عَمَّا يَقَعُ بِالرِّيحِ، وَإِنْ كَانَ مَيْتًا وَلَمْ يَكُنْ نَشْؤُهُ مِنْهُ إنْ لَمْ تُغَيِّرْ، وَلَيْسَ الصَّبِيُّ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَالْبَهِيمَةُ كَالرِّيحِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْضًا؛ لِأَنَّ لَهُمَا اخْتِيَارًا فِي الْجُمْلَةِ، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْوَاقِعُ مِنْ ذَلِكَ فَأُخْرِجَ أَحَدُهَا عَلَى رَأْسِ عُودٍ مَثَلًا فَسَقَطَ مِنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ لَمْ تَنْجُسْ وَهَلْ لَهُ إخْرَاجُ الْبَاقِي بِهِ؟ الْأَوْجَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، نَعَمْ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى رَأْسِ الْعُودِ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَائِعِ انْفَصِلْ مِنْهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ، وَلَوْ وَضَعَ خِرْقَةً عَلَى إنَاءٍ وَصَفَّى بِهَا هَذَا الْمَائِعَ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْمَيْتَةُ بِأَنْ صَبَّهُ عَلَيْهَا لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّهُ يَضَعُ الْمَائِعَ وَفِيهِ الْمَيْتَةُ مُتَّصِلَةٌ بِهِ ثُمَّ يَتَصَفَّى مِنْهَا الْمَائِعُ وَتَبْقَى هِيَ مُنْفَرِدَةٌ، لَا أَنَّهُ طَرَحَ الْمَيْتَةَ فِي الْمَائِعِ، كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ صَالِحُ الْبُلْقِينِيُّ.
وَهَا هُنَا تَنْبِيهٌ لَا بَأْسَ بِالِاعْتِنَاءِ بِمَعْرِفَتِهِ، وَهُوَ أَنَّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ إذَا اُغْتُذِيَ بِالدَّمِ كَالْحَلَمِ الْكِبَارِ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْإِبِلِ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ بِمُجَرَّدِ الْوُقُوعِ، فَإِنْ مَكَثَ فِي الْمَاءِ حَتَّى انْشَقَّ جَوْفُهُ وَخَرَجَ مِنْهُ الدَّمُ احْتَمَلَ أَنْ يُنَجِّسَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَفَا عَنْ الْحَيَوَانِ دُونَ الدَّمِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا يُعْفَى عَمَّا فِي بَطْنِهِ مِنْ الرَّوْثِ إذَا ذَابَ وَاخْتَلَطَ بِالْمَاءِ وَلَمْ يُغَيِّرْ، وَكَذَلِكَ مَا عَلَى مَنْفَذِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَأَفَادَ فِي الْخَادِمِ أَنَّ غَيْرَ الذُّبَابِ لَا يَلْحَقُ بِهِ فِي نَدْبِ الْغَمْسِ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ طَلَبَ غَمْسَ الذُّبَابِ وَهُوَ مُقَاوَمَةُ الدَّوَاءِ الدَّاءَ، بَلْ يَحْرُمُ غَمْسُ النَّحْلِ، وَمَحَلُّ جَوَازِ الْغَمْسِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ التَّغَيُّرُ بِهِ وَإِلَّا حَرُمَ لَمَّا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَالْمَيْتَةُ يَجُوزُ فِيهَا التَّخْفِيفُ وَالتَّشْدِيدُ (وَكَذَا فِي قَوْلٍ) (نَجَسٌ لَا يُدْرِكُهُ طَرَفٌ) أَيْ بَصَرٌ لِقِلَّتِهِ كَنُقْطَةِ بَوْلٍ وَمَا يَعْلَقُ بِرِجْلِ الذُّبَابِ فَيُعْفِي عَنْ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَأَشْبَهَتْ مَا لَوْ أَلْقَاهَا حَيَّةً وَمَاتَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَى الْمَائِعِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْإِحْيَاءَ تَبَيَّنَ بِهِ عَدَمُ مَوْتِهَا أَوَّلًا، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِعَارِضٍ قَامَ بِهَا فَتَخَيَّلَ مَوْتَهَا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِلَا قَصْدٍ. وَعِبَارَةُ ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الطَّرْحُ سَهْوًا انْتَهَى.
وَفِي ابْنِ حَجَرٍ بَعْدَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ عَنْ الزَّرْكَشِيّ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ رَدُّ مَا تُوُهِّمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الطَّرْحُ بِلَا قَصْدٍ مُطْلَقًا إلَخْ انْتَهَى. وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ قَاسِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَأَنَّ وُقُوعَهَا بِنَفْسِهَا لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا) أَيْ حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الصَّبِيُّ وَالْبَهِيمَةُ كَالرِّيحِ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَإِنْ كَانَ الطَّارِحُ غَيْرَ مُكَلَّفٍ لَكِنْ مِنْ جِنْسِهِ انْتَهَى. وَهِيَ تُخْرِجُ الْبَهِيمَةَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الصَّبِيِّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، فَإِنَّ الْجِنْسَ عِنْدَهُمْ مَا يَشْمَلُ أَصْنَافًا كَالْآدَمِيِّ وَإِنْ كَانَ نَوْعًا عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ. وَقَالَ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى مَنْهَجٍ فِي إلْحَاقِ الْبَهِيمَةِ بِالْآدَمِيِّ تَأَمَّلْ انْتَهَى (قَوْلُهُ: بِأَنْ صَبَّهُ عَلَيْهَا لَمْ يَضُرَّ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَوَاصَلْ الصَّبُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ.
وَفِي ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ: لَكِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ مَعَ تَوَاصُلِ الصَّبِّ وَكَذَا مَعَ تَفَاصُلِهِ عَادَةً، فَلَوْ فُصِلَ بِنَحْوِ يَوْمٍ مَثَلًا ثُمَّ صُبَّ فِي الْخِرْقَةِ مَعَ بَقَاءِ الْمَيْتَاتِ الْمُجْتَمِعَةِ مِنْ التَّصْفِيَةِ السَّابِقَةِ فِيهَا فَلَا يَبْعُدُ الضَّرَرُ، إذْ لَا يَشُقُّ تَنْظِيفُ الْخِرْقَةِ مِنْهَا قَبْلَ الصَّبِّ وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْعَفْوِ، وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّهُ كَمَا يَضُرُّ طَرْحُهَا عَلَى الْمَائِعِ يَضُرُّ طَرْحُ الْمَائِعِ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ نَحْوِ التَّصْفِيَةِ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ جَهِلَهَا انْتَهَى بِحُرُوفِهِ (قَوْلُهُ: بَلْ يَحْرُمُ غَمْسُ النَّحْلِ) عِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ: تَنْبِيهٌ آخَرُ: يَظْهَرُ مِنْ الْخَبَرِ السَّابِقِ نَدْبُ غَمْسِ الذُّبَابِ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَأْتِي فِي غَيْرِهِ، بَلْ لَوْ قِيلَ بِمَنْعِهِ بِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا بِلَا حَاجَةٍ لَمْ يَبْعُدْ، ثُمَّ رَأَيْت الدَّمِيرِيّ صَرَّحَ بِالنَّدْبِ وَبِتَعْمِيمِهِ قَالَ: لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى ذُبَابًا لُغَةً إلَّا النَّحْلَ لِحُرْمَةِ قَتْلِهِ انْتَهَى. وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ غَمْسُ النَّحْلِ إنَّمَا هُوَ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى حُرْمَتِهِ، وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ الْغَمْسُ خَاصٌّ بِالذُّبَابِ أَمَّا غَيْرُهُ فَيَحْرُمُ غَمْسُهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إهْلَاكِهِ انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَإِلَّا حَرُمَ) أَيْ ثُمَّ إنَّ غَيْرَهُ بَعْدَ الْغَمْسِ نَجَّسَهُ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: وَمَا يَعْلَقُ)
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِقِلَّتِهِ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ إدْرَاكِ الطَّرَفِ لَا لِعَدَمِ التَّنْجِيسِ؛ لِأَنَّ عِلَّتَهُ سَتَأْتِي، فَهُوَ قَيْدٌ فِي الْحَقِيقَةِ لِإِخْرَاجِ مَا لَوْ كَانَ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ لِنَحْوِ مُمَاثَلَتِهِ لِلَوْنِ الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ: فَيُعْفَى عَنْ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ) شَمِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute