للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى إبَاحَتِهِ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا عَلَّلَ بِهِ الْأَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي الْمُتَعَمِّدِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْغَالِطِ وَالْجَاهِلِ بِالْأَقْرَبِ فَإِنَّ الْأَوْجَهَ قَصْرُهُمَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا غَرَضٌ فِي سُلُوكِهِ.

(وَلَوْ) (تَبِعَ الْعَبْدُ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ الْجُنْدِيُّ) أَوْ الْأَسِيرُ (مَالِكَ أَمْرِهِ) وَهُوَ السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ وَالْأَمِيرُ وَالْآسِرُ (فِي السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُ كُلٌّ) مِنْهُمْ (مَقْصِدَهُ فَلَا قَصْرَ) لَهُمْ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِهِ، وَهَذَا قَبْلَ بُلُوغِهِمْ مَرْحَلَتَيْنِ كَمَا مَرَّ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ رُؤْيَةَ قَصْرِ مَتْبُوعِهِ الْعَالِمِ بِشُرُوطِ الْقَصْرِ بِمُجَرَّدِ مُفَارَقَتِهِ لِمَحَلِّهِ كَعِلْمِ مَقْصِدِهِ، بِخِلَافِ إعْدَادِهِ عُدَّةً كَثِيرَةً لَا تَكُونُ إلَّا لِلسَّفَرِ الطَّوِيلِ عَادَةً فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ تَيَقُّنَ سَفَرٍ طَوِيلٍ لِاحْتِمَالِهِ مَعَ ذَلِكَ لِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بِمَفَازَةٍ قَرِيبَةٍ زَمَنًا طَوِيلًا (فَلَوْ نَوَوْا مَسَافَةَ الْقَصْرِ) وَحْدَهُمْ دُونَ مَتْبُوعِهِمْ أَوْ جَهِلُوا (قَصَرَ الْجُنْدِيُّ دُونَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَحْتَ قَهْرِ الْأَمِيرِ بِخِلَافِهِمَا فَنِيَّتُهُمَا كَالْعَدَمِ وَالْجَيْشُ تَحْتَ قَهْرِ الْأَمِيرِ فَنِيَّتُهُ كَالْعَدَمِ أَيْضًا، وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ هَذَا وَمَا تَقَرَّرَ فِي الْجُنْدِيِّ، إذْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ هُنَا فِيمَا إذَا كَانَ الْجَيْشُ تَحْتَ أَمْرِ الْأَمِيرِ وَطَاعَتِهِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْجَيْشَ إذَا بَعَثَهُ الْإِمَامُ وَأَمَّرَ أَمِيرًا عَلَيْهِ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ شَرْعًا كَانَ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ طَاعَةُ سَيِّدِهِ.

وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجُنْدِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَأْجَرًا وَلَا مُؤَمَّرًا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَأْجَرًا فَلَهُ حُكْمُ الْعَبْدِ، وَلَا يَسْتَقِيمُ حَمْلُهُ عَلَى مُسْتَأْجَرٍ أَوْ مُؤَمَّرٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَالَفَ أَمْرَ الْأَمِيرِ وَسَافَرَ يَكُونُ سَفَرُهُ مَعْصِيَةً فَلَا يَقْصُرُ أَصْلًا، أَوْ يُقَالُ الْكَلَامُ فِي مَسْأَلَتِنَا فِيمَا إذَا نَوَى جَمِيعُ الْجَيْشِ فَنِيَّتُهُمْ كَالْعَدَمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ التَّخَلُّفُ عَنْ الْأَمِيرِ، وَالْكَلَامُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْجُنْدِيِّ الْوَاحِدِ مِنْ الْجَيْشِ؛ لِأَنَّ مُفَارَقَتَهُ الْجَيْشَ مُمْكِنَةٌ فَاعْتُبِرَتْ نِيَّتُهُ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ هُنَا بِالْجَيْشِ، وَقَدْ أَشَارَ لِهَذَا الْأَخِيرِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَقَوْلُهُ مَالِكَ أَمْرِهِ لَا يُنَافِيهِ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْجُنْدِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَمِيرَ الْمَالِكَ لِأَمْرِهِ لَا يُبَالِي بِانْفِرَادِهِ عَنْهُ وَمُخَالَفَتِهِ لَهُ، بِخِلَافِ مُخَالَفَةِ الْجَيْشِ إذْ يَخْتَلُّ بِهَا نِظَامُهُ وَهَذَا أَوْجَهُ.

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ وَدَابَّتَهُ بِالرَّكْضِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ، وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ السَّفَرَ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَلْيُتَأَمَّلْ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْتَصِرَ هُنَا عَلَى مَنْعِ تَسْلِيمِ الْحُرْمَةِ، فَإِنَّ الْعُدُولَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ إتْعَابَ النَّفْسِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْمَشَقَّةُ الْحَاصِلَةُ فِي الطَّرِيقِ الْأَطْوَلِ قَرِيبَةً مِنْ الْمَشَقَّةِ الْحَاصِلَةِ فِي الطَّرِيقِ الْآخَرِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْوُصُولِ إلَى الْمَقْصِدِ، وَلَا كَذَلِكَ الرَّكْضُ الْآتِي فَإِنَّهُ مَحْضُ عَبَثٍ، وَالتَّعَبُ مَعَهُ مُحَقَّقٌ أَوْ غَالِبٌ، أَوْ تُسَلَّمُ الْحُرْمَةُ وَيُحْمَلُ مَا يَأْتِي عَلَى مَا إذَا كَانَ الرَّكْضُ هُوَ الْحَامِلُ عَلَى السَّفَرِ وَمُقَارِنًا لِأَوَّلِ الْمُدَّةِ، لَكِنَّ هَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ فَالْأَوْلَى الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَبِعَ الْعَبْدُ أَوْ الزَّوْجَةُ) أَيْ وَالْمُبَعَّضُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ كَالْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ فَفِي نَوْبَتِهِ كَالْحُرِّ وَفِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ كَالْعَبْدِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ فِي نَوْبَتِهِ ثُمَّ دَخَلَتْ نَوْبَةُ السَّيِّدِ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ أَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَقَامَ فِي مَحَلِّهِ إنْ أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا سَافَرَ وَتُرُخِّصَ لِعَدَمِ عِصْيَانِهِ بِالسَّفَرِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ سَافَرَتْ الْمَرْأَةُ بِإِذْنِ زَوْجِهَا ثُمَّ لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهَا يَلْزَمُهَا الْعَوْدُ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي سَافَرَتْ مِنْهُ أَوْ الْإِقَامَةُ بِمَحَلِّهَا إنْ لَمْ يَتَّفِقْ عَوْدُهَا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَتَمَّتْ السَّفَرَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فِيهِ.

(قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِهِ مَعَ ذَلِكَ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ: وَقَدْ يُقَالُ جَوَّزُوا الِاجْتِهَادَ فِي الطَّوِيلِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ قَصْدُ الْمَتْبُوعِ مَرْحَلَتَيْنِ بِقَرِينَةِ كَثْرَةِ الزَّادِ فَيَنْبَغِي جَوَازُ اعْتِمَادِ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْقَرَائِنِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا لَمْ يَكُونُوا مُسْتَقِلَّتَيْنِ لَمْ يُعْتَبَرْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ تَأَمَّلْ. وَقَدْ يُقَالُ: مَا وُجِّهَ بِهِ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِقْلَالِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْعِلْمِ بِالْمَسَافَةِ وَقَدْ أُطْلِقَ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي مَعْرِفَةِ طُولِ السَّفَرِ فِي الِابْتِدَاءِ فَشَمِلَ الْمُسْتَقِلَّ وَغَيْرَهُ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِمَا فَنِيَّتُهُمَا كَالْعَدَمِ) لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا لَوْ نَوَى الْأَسِيرُ مَسَافَةً غَيْرَ مَسَافَةِ آسِرِهِ لَعَلَّهُ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْفِرَادِ لَغْوٌ. نَعَمْ إنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَى الْهَرَبِ هَرَبَ فَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ عَلِمَ الْأَسِيرُ طُولَ سَفَرِهِ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: وَجَبَتْ طَاعَتُهُ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُمْ لَوْ أَمَّرُوا أَمِيرًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ لَكِنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي السِّيَرِ خِلَافُهُ.

(قَوْلُهُ: وَهَذَا أَوْجَهٌ) لَكِنْ يُحْتَاجُ عَلَيْهِ لِلْجَوَابِ عَمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مُسْتَأْجَرًا) أَيْ أَوْ مُؤَجَّرًا عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>