للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَاحِدَ وَالْجَيْشَ مِثَالٌ، وَإِلَّا فَالْمَدَارُ عَلَى مَا يَخْتَلُّ بِهِ نِظَامُهُ لَوْ خَالَفَ وَمَا لَا يَخْتَلُّ بِذَلِكَ.

(وَمَنْ) (قَصَدَ سَفَرًا طَوِيلًا فَسَارَ ثُمَّ نَوَى) وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ مَاكِثٌ (رُجُوعًا) عَنْ مَقْصِدِهِ إلَى وَطَنِهِ مُطْلَقًا أَوْ غَيْرِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ (انْقَطَعَ) سَفَرُهُ بِمُجَرَّدِ نِيَّتِهِ حَيْثُ كَانَ نَازِلًا لَا سَائِرًا لِجِهَةِ مَقْصِدِهِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ مَعَ السَّيْرِ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فَنِيَّةُ الرُّجُوعِ مَعَهُ كَذَلِكَ، وَمَتَى قِيلَ بِانْتِهَاءِ سَفَرِهِ امْتَنَعَ قَصْرُهُ مَا دَامَ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ كَمَا جَزَمُوا بِهِ وَمَا أَفْهَمُهُ كَلَامُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَنَّهُ يَقْصُرُ فَغَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْقُولَ (فَإِنْ سَارَ) لِمَقْصِدِهِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ لِمَا خَرَجَ مِنْهُ (فَسَفَرٌ جَدِيدٍ) فَإِنْ كَانَ مَا أَمَامَهُ سَفَرُ قَصْرٍ تَرَخَّصَ بِمُفَارَقَةِ مَا تُشْتَرَطُ مُفَارَقَتُهُ وَإِلَّا فَلَا.

أَمَّا إذَا نَوَاهُ إلَى غَيْرِ وَطَنِهِ لِحَاجَةٍ فَلَا يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِذَلِكَ، وَكُنْيَةُ الرُّجُوعِ فِيمَا ذُكِرَ التَّرَدُّدُ فِيهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَغَوِيّ.

(وَ) ثَالِثُهَا جَوَازُ سَفَرِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَصْرِ وَجَمِيعِ الرُّخَصِ إلَّا التَّيَمُّمَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، لَكِنْ مَعَ إعَادَةِ الصَّلَاةِ بِهِ كَمَا مَرَّ فَحِينَئِذٍ (لَا يَتَرَخَّصُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ كَآبِقٍ وَنَاشِزَةٍ) وَقَاطِعِ طَرِيقٍ وَمُسَافِرٍ بِلَا إذْنٍ أَصْلًا يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ فِيهِ وَمُسَافِرٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ قَادِرٌ عَلَى وَفَائِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ غَرِيمِهِ، إذْ مَشْرُوعِيَّةُ التَّرَخُّصِ فِي السَّفَرِ لِلْإِعَانَةِ وَالْعَاصِي لَا يُعَانُ؛ لِأَنَّ الرُّخَصَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي، وَيَلْحَقُ بِمَنْ ذُكِرَ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ وَدَابَّتَهُ بِالرَّكْضِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ أَوْ يُسَافِرَ لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ وَالنَّظَرِ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ صَحِيحٍ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مُسْتَأْجَرًا أَوْ مُؤَمَّرًا عَلَيْهِ وَخَالَفَ الْأَمِيرَ يَكُونُ سَفَرُهُ مَعْصِيَةً وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَا هُنَا فِيمَا إذَا نَوَى السَّفَرَ وَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ ذَلِكَ بِأَنْ بَقِيَ مَعَ الْأَمِيرِ وَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا سَافَرَ فَلَا تَنَافِيَ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا فِي مُقَابَلَةِ مَا حَكَاهُ قَبْلُ بِقِيلَ وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: أَوْ يُقَالُ الْكَلَامُ فِي مَسْأَلَتِنَا إلَخْ

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ لِحَاجَةٍ أَمْ لَا.

(قَوْلُهُ: لَا سَائِرًا لِجِهَةِ مَقْصِدِهِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا نَوَى الرُّجُوعَ وَهُوَ سَائِرٌ لِغَيْرِ مَقْصِدِهِ الْأَوَّلِ لَا يَنْقَطِعُ تَرَخُّصُهُ، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ سَارَ فَسَفَرٌ جَدِيدٌ.

(قَوْلُهُ: التَّرَدُّدُ فِيهِ) أَيْ وَإِنْ قَلَّ التَّرَدُّدُ

(قَوْلُهُ: يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ بِأَنْ أَرَادَ السَّفَرَ لِلْجِهَادِ وَأَصْلُهُ مُسَلَّمٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْذَانِهِ.

(قَوْلُهُ: وَمُسَافِرٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ) أَيْ وَإِنْ قَلَّ.

(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ إذْنِ غَرِيمِهِ) أَيْ أَوْ ظَنِّ رِضَاهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْجِهَادِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الرُّخَصَ لَا تُنَاطُ بِالْمُعَاصَى) ظَاهِرُهُ وَإِنْ بَعُدَ عَنْ مَحَلِّ رَبِّ الدَّيْنِ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ أَوْ التَّوْكِيلُ فِي الْوَفَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى تَوْفِيَتِهِ إذَا قَدَرَ بِالتَّوْكِيلِ أَوْ نَحْوِهِ وَنَدِمَ عَلَى خُرُوجِهِ بِلَا إذْنٍ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ عَجَزَ عَنْ رَدِّ الْمَظَالِمِ وَعَزَمَ عَلَى رَدِّهَا إذَا قَدَرَ كَمَا اقْتَضَى كَلَامُ الشَّارِحِ فِي أَوَّلِ الْجَنَائِزِ فِيهِ قَبُولُ تَوْبَتِهِ.

(قَوْلُهُ: وَيَلْحَقُ بِمَنْ ذُكِرَ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ إلَخْ) هَذَا سَفَرُ مَعْصِيَةٍ فَمَا وَجْهُ الْإِلْحَاقِ، انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ، إلَّا أَنْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَ نَازِلًا) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ مَاكِثٌ وَخَرَجَ بِهِمَا مَا إذَا كَانَ سَائِرًا إلَى مَقْصِدِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَقَوْلُهُ: لَا سَائِرًا لِجِهَةِ مَقْصِدِهِ فِيهِ قُصُورٌ مَعَ أَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا يَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ سَارَ، وَلَفْظُ مَاكِثٍ سَاقِطٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ.

(قَوْلُهُ: وَيُلْحَقُ بِمَنْ ذَكَرَ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ وَدَابَّتَهُ بِالرَّكْضِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي سَفَرِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، فَإِنَّ سَفَرَهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إتْعَابُ نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ خِلَافًا لِمَنْ ادَّعَاهُ أَنَّ الْبَاعِثَ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ أَتْعَبَ نَفْسَهُ وَدَابَّتَهُ، فَالْحُرْمَةُ إنَّمَا جَاءَتْ مِنْ إتْعَابِ النَّفْسِ وَالدَّابَّةِ بِأَنْ أَسْرَعَ فِي الْمَشْيِ وَرَكْضِ الدَّابَّةِ فَوْقَ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لَا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ هَذَا ظَاهِرَ تَعْبِيرِ الشَّارِحِ بِيُلْحَقُ وَبِالرَّكْضِ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْته أَنَّ الثَّانِيَ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: فِيمَا مَرَّ قَرِيبًا وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ فِيمَا إذَا سَلَكَ الْأَطْوَلَ لِغَرَضِ الْقَصْرِ فَقَطْ بِأَنَّ إتْعَابَ النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ حَرَامٌ يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَخْ، فَقَوْلُهُ: فِي الرَّدِّ لِبَقَاءِ أَصْلِ السَّفَرِ عَلَى إبَاحَتِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ السَّفَرَ إذَا كَانَ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ غَرَضًا صَحِيحًا لَا يَضُرُّ فِي إبَاحَتِهِ إتْعَابُ النَّفْسِ وَالدَّابَّةِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ هُنَا مَا ذَكَرَتْهُ.

نَعَمْ قَوْلُهُ: ثُمَّ بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهَا يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ حُرْمَةُ إتْعَابِ النَّفْسِ وَالدَّابَّةِ لِغَيْرِ غَرَضٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>