كَمَا نَقَلَاهُ وَأَقَرَّاهُ، وَإِنْ قَالَ مُحَلَّيْ فِي الْأَكْلِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْحِلُّ وَفِي الثَّانِي أَنَّهُ مُبَاحٌ، وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ الرُّخَصُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُقَالَ: الْمُرَادُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ عَلَى السَّفَرِ نَفْسَ الْمَعْصِيَةِ كَقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَمَا هُنَا الْحَامِلُ عَلَيْهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَالتِّجَارَةِ، لَكِنَّهُ أَتْعَبَ نَفْسَهُ بِالرَّكْضِ فِي سَيْرِهِ لِذَلِكَ الْغَرَضِ فَكَانَ فِعْلُهُ هَذَا كَفِعْلِ الْعَاصِي فِي السَّفَرِ، لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ عَاصِيًا بِنَفْسِ الرَّكْضِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ قَطْعُ الْمَسَافَةِ أُلْحِقَ بِالْعَاصِي بِالسَّفَرِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ مُجَلَّيْ فِي الْأَوَّلِ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ: الْآتِي وَإِنْ قَالَ مُجَلِّي إلَخْ، الصَّرِيحُ فِي أَنَّهُ قَائِلٌ بِالْحُرْمَةِ فِيمَا ذُكِرَ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا تَنَاقُضَ إذَا مَا مَرَّ ثُمَّ أَصْلُ السَّفَرِ فِيهِ لِبَاعِثٍ صَحِيحٍ وَمَا ذَكَرَ وَقَعَ بَعْدَ عَقْدِ السَّفَرِ الْمُبَاحِ فَلَمْ يَكُنْ حَرَامًا لِوُقُوعِهِ تَابِعًا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَمِمَّا يُوَضِّحُ مَا ذَكَرْته أَوَّلًا مِنْ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ هُنَا أَنَّهُ لَا بَاعِثَ لَهُ عَلَى السَّفَرِ سَوْقُ عِبَارَةِ مُجَلِّي الْمُخَالِفِ فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، وَنَصُّهَا حَسَبَ مَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ: فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي سَفَرِهِ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ: يَكُونُ عَاصِيًا، وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ لِغَيْرِ غَرَضٍ كَرَكْضِ دَابَّتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ، وَكَذَلِكَ السَّفَرُ لِرُؤْيَةِ الْبِلَادِ وَالتَّنَزُّهِ فِيهَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مُبَاحٌ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ الْأَغْرَاضِ الْفَاسِدَةِ السَّفَرُ لِيَرَى الْبِلَادَ وَلَا أَرَبَ لَهُ سِوَاهُ. اهـ كَلَامُ مُجَلِّي. فَقَوْلُهُ: وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي سَفَرِهِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي سَفَرِهِ، يَكُونُ عَاصِيًا؛ لِأَنَّهُ مُتْعِبٌ نَفْسَهُ وَدَابَّتَهُ لِغَيْرِ غَرَضٍ، وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ مَنْ أَتْعَبَهُمَا لِغَيْرِ غَرَضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَفَرِهِ وَتَعْبِيرُهُ بِهَذِهِ الْكُلِّيَّةِ ظَاهِرٌ فِيمَا قُلْنَاهُ فَإِنَّهَا الْمَعْرُوفَةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَيُصَرِّحُ بِهِ أَنَّ الشَّارِحَ اقْتَصَرَ فِي كَلَامِهِ عَلَى مَعْنَى هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا عُطِفَتْ عَلَيْهِ اكْتِفَاءً بِهَا لِعُمُومِهَا، ثُمَّ صَرَّحَ بِأَنَّ مُجَلِّيًا خَالَفَ فِي حُكْمِهَا مَعَ أَنَّ خِلَافَ مُجَلِّي مَعَ غَيْرِهِ إنَّمَا وَقَعَ أَصَالَةً فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي سَفَرِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَمَا عَرَفْت مِنْ عِبَارَتِهِ، فَهَذَا التَّصَرُّفُ مِنْ الشَّارِحِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ السَّفَرَ لَيْسَ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الشَّارِحِ كَمُجَلِّي أَوْ يُسَافِرُ لِرُؤْيَةِ الْبِلَادِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، بَلْ بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُمَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، لَكِنْ يَتَعَيَّنُ أَنَّ مُرَادَهُ مَا ذَكَرْته لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ أَعَمُّ مِنْ الثَّانِي، وَعِبَارَتُهُ أَعَنَى الْأَذْرَعِيَّ بَعْدَ قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَمِمَّا أُلْحِقَ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ إتْعَابُ نَفْسِهِ وَتَعْذِيبُهُ دَابَّتَهُ بِالرَّكْضِ لَا لِغَرَضٍ ذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ لَمْ يَتَرَخَّصْ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: السَّفَرُ لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ وَالنَّظَرِ إلَيْهَا لَيْسَ مِنْ الْأَغْرَاضِ الصَّحِيحَةِ. اهـ.
نَصُّهَا: أَعَنَى عِبَارَةَ الْأَذْرَعِيِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَيْ النَّوَوِيِّ نَقَلَ ثَلَاثَ صُوَرٍ وَالْمُوَافَقَةُ عَلَيْهَا، وَعَزَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْأُولَةَ: أَيْ إتْعَابَ النَّفْسِ وَالدَّابَّةِ إلَى الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا وَاَلَّتِي بَعْدَهَا: أَيْ مَسْأَلَةَ الِانْتِقَالِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَالسَّفَرِ لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ انْتَهَتْ، فَجَعَلَ مُؤَدَّى الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَاحِدًا وَفِيهِ مَا قَدَّمْته، ثُمَّ اسْتَشْهَدَ الْأَذْرَعِيُّ عَلَى مَا بَحَثَهُ بِكَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَإِمَامِهِ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ عِنْدَ الشَّارِحِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَإِنْ قَالَ مُجَلِّي إلَخْ وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ عَنْهُ الشِّهَابُ حَجّ بِقَوْلِهِ وَمِنْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ إلَخْ، فَمَا وَجْهُ تَعْبِيرِ الشَّارِحِ فِيهِ كَالرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِمَا وَيُلْحَقُ؟ قُلْت: وَجْهُهُ أَنَّ صُورَةَ السَّفَرِ فِيهِ لَيْسَتْ مَعْصِيَةً؛ لِأَنَّ الْبَاعِثَ عَلَيْهِ لَيْسَ إتْعَابَ نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ، وَإِنَّمَا نَشَأَ مِنْ انْتِفَاءِ الْغَرَضِ فِي السَّفَرِ فَكَانَ السَّفَرُ حَيْثُ لَا غَرَضَ فِيهِ صَحِيحًا مَقْصُودُهُ إتْعَابُ النَّفْسِ وَالدَّابَّةِ وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْ الْمُسَافِرُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ السَّفَرِ لِنَحْوِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا الْبَاعِثَةُ عَلَيْهِ، فَكَانَ السَّفَرُ لَهَا سَفَرَ مَعْصِيَةٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَالصُّورَةُ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ الْبَاعِثَ فِيهَا إتْعَابُ النَّفْسِ وَالدَّابَّةِ بِأَنْ لَاحَظَ الْمُسَافِرُ ذَلِكَ عِنْدَ سَفَرِهِ كَانَ السَّفَرُ كَسَفَرِ نَحْوِ السَّرِقَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَكَانَ أَوْلَى بِالْحُكْمِ، وَبِمَا قَرَّرْته فِي هَذَا الْجَوَابِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الشِّهَابِ سم هَذَا سَفَرُ مَعْصِيَةٍ، فَمَا وَجْهُ الْإِلْحَاقِ. اهـ.
وَقَدْ اتَّضَحَ وَجْهُهُ بِمَا ذَكَرْته وَلِلَّهِ الْحَمْدُ لَا بِمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ مِمَّا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى السَّفَرِ فِي مَسْأَلَتِنَا غَرَضٌ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ أَتْعَبَ فِيهِ نَفْسَهُ وَدَابَّتَهُ فَتَأَمَّلْهُ.