لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي أَنَّ فِعْلَ الرُّخْصَةِ مَتَى تَوَقَّفَ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ، فَإِنْ كَانَ تَعَاطِيهِ فِي نَفْسِهِ حَرَامًا امْتَنَعَ مَعَهُ فِعْلُ الرُّخْصَةِ وَإِلَّا فَلَا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآبِقَ وَنَحْوَهُ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ كَالْبَالِغِ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ الْإِثْمُ وَخَرَجَ بِالْعَاصِي بِسَفَرِهِ الْعَاصِي فِيهِ وَهُوَ مَنْ يَقْصِدُ سَفَرًا مُبَاحًا فَتَعْرِضُ لَهُ فِيهِ مَعْصِيَةٌ فَيَرْتَكِبُهَا فَلَهُ التَّرَخُّصُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ تَرَخُّصِهِ مُبَاحٌ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا (فَلَوْ) (أَنْشَأَ) سَفَرًا (مُبَاحًا ثُمَّ جَعَلَهُ مَعْصِيَةً فَلَا تَرَخُّصَ) لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) مِنْ حِينِ جَعْلِهِ كَمَا لَوْ أَنْشَأَهُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ.
وَالثَّانِي يَتَرَخَّصُ اكْتِفَاءً بِكَوْنِ السَّفَرِ مُبَاحًا فِي ابْتِدَائِهِ، فَإِنْ تَابَ تَرَخَّصَ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللُّقَطَةِ أَيْ وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي أَقَلَّ مِنْ مَرْحَلَتَيْنِ نَظَرًا لِأَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ مِمَّا يُوهَمُ خِلَافَهُ مُؤَوَّلٌ (وَلَوْ أَنْشَأَهُ عَاصِيًا) بِهِ (ثُمَّ تَابَ) تَوْبَةً صَحِيحَةً (فَمَنْشَأُ السَّفَرِ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ) فَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَحَلِّهَا وَمَقْصِدِهِ مَرْحَلَتَانِ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا. وَفَارَقَ مَا مَرَّ بِتَقْصِيرِهِ بِإِنْشَائِهِ عَاصِيًا فَلَا يُنَاسِبُهُ التَّخْفِيفُ، وَمَا لَا يُشْتَرَطُ لِلتَّرَخُّصِ طُولُهُ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ يَسْتَبِيحُهُ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ مُطْلَقًا، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا صَحِيحَةً مَا لَوْ عَصَى بِسَفَرِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ تَابَ فَإِنَّهُ لَا يَتَرَخَّصُ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ بَلْ حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ، وَمِنْ وَقْتِ فَوَاتِهَا يَكُونُ ابْتِدَاءُ سَفَرِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ نَوَى الْكَافِرُ أَوْ الصَّبِيُّ سَفَرَ قَصْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ فِي الطَّرِيقِ قَصَرَ فِي بَقِيَّتِهِ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ قَصْرِ الصَّبِيِّ دُونَ مَنْ أَسْلَمَ.
(وَ) رَابِعُهَا عَدَمُ اقْتِدَائِهِ بِمُتِمٍّ (وَلَوْ) احْتِمَالًا، فَمَتَى (اقْتَدَى بِمُتِمٍّ) وَلَوْ مُسَافِرًا (لَحْظَةً) كَأَنْ أَدْرَكَهُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ وَلَوْ تَامَّةً فِي نَفْسِهَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
هُوَ قَوْلُهُ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ وَقَوْلُهُ وَفِي الثَّانِي هُوَ قَوْلُهُ رُؤْيَةُ الْبِلَادِ.
(قَوْلُهُ: كَالْبَالِغِ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ الْإِثْمُ) أَيْ فَإِذَا سَافَرَ الصَّبِيُّ بِلَا إذْنٍ مِنْ وَلِيِّهِ لَمْ يَقْصُرْ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَبِهِ صَرَّحَ سم، وَكَذَا النَّاشِزَةُ الصَّغِيرَةُ؛ وَيُنْظَرُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَإِنْ بَلَغَ مَرْحَلَتَيْنِ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عُصَاةً حَالَ السَّفَرِ لَهُمْ حُكْمُ الْعُصَاةِ. وَقَالَ حَجّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّبِيَّ يَقْصُرُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ سَافَرَ بِلَا إذْنٍ مِنْ وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاصٍ، وَامْتِنَاعُ الْقَصْرِ فِي حَقِّهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلٍ بِخُصُوصِهِ فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ مَا هُوَ بِصُورَةِ الْمَعْصِيَةِ وَلَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ لَهُ حُكْمُ الْعَاصِي وَأَنَّى بِذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا) أَيِّ، وَكَذَا فِيهَا كَأَنْ سَارَ لِمَقَاصِدِهِ وَهُوَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فَالسَّيْرُ مُبَاحٌ مَعَ إثْمِهِ بِالشُّرْبِ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ أَنْشَأَ سَفَرًا مُبَاحًا) أَيْ شَرَعَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ إلَخْ) وَعِبَارَتُهُ: فَإِنْ تَابَ فَأَوَّلُهُ مَحَلُّ تَوْبَتِهِ انْتَهَى.
وَتَأْوِيلُهَا كَأَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ مَحَلُّ تَوْبَتِهِ: أَيْ حَيْثُ ابْتَدَأَ سَفَرَهُ مَعْصِيَةً، فَإِنْ ابْتَدَأَهُ مُبَاحًا ثُمَّ جَعَلَهُ مَعْصِيَةً ثُمَّ تَابَ تُرُخِّصَ وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ.
(قَوْلُهُ: فَمَنْشَأُ السَّفَرِ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالشِّينِ: أَيْ فَمَوْضِعُ إنْشَاءِ السَّفَرِ يُعْتَبَرُ مِنْ حِينِ إلَخْ. هَذَا وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ فَمُنْشِئُ السَّفَرِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الشِّينِ انْتَهَى. وَهِيَ تُفِيدُ أَنَّهُ اسْمٌ لِذَاتِ الْمُسَافِرِ لَا لِمَكَانِ السَّفَرِ وَمَآلُهَا وَاحِدٌ.
(قَوْلُهُ: وَفَارِقُ مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَنْشَأَهُ مُبَاحًا ثُمَّ جَعَلَهُ مَعْصِيَةً ثُمَّ تَابَ يَتَرَخَّصُ وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ مُطْلَقًا) بَقِيَ مَرْحَلَتَانِ أَمْ لَا؟ (قَوْلُهُ: حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ) أَيْ بِسَلَامِ الْإِمَامِ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ غَلَبَةِ ظَنِّهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَتَرَخَّصُ وَإِنْ بَعُدَ عَنْ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ إدْرَاكُهَا.
(قَوْلُهُ: أَوْ الصَّبِيُّ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ سَفَرُهُ بِصُورَةِ الْمَعْصِيَةِ بِأَنْ كَانَ آبِقًا أَوْ نَاشِزَةً أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ عَلَى مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآبِقَ وَنَحْوَهُ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ كَالْبَالِغِ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ الْإِثْمُ.
(قَوْلُهُ: قَصَرَ فِي بَقِيَّتِهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْقَصْرُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَلَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ فَلَا مَعْصِيَةَ، فَلَعَلَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِمَا ذَكَرَ لِلرَّدِّ عَلَى الْبَغَوِيّ (قَوْلُهُ: قَصَرَ فِي بَقِيَّتِهِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مُسَافِرًا لَحْظَةً) وَلَوْ دُونَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ حَجّ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَوْ احْتِمَالًا) قَدْ يُقَالُ يُنَافِيهِ مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ عَلِمَهُ مُسَافِرًا وَشَكَّ فِي نِيَّتِهِ قَصَرَ.