للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَضَبَطَ فِي الْمَجْمُوعِ ذَلِكَ بِمَا يَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ خَالَفَ لَوْنُهُ لَوْنَ الثَّوْبِ لَمْ يُرَ لِقِلَّتِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنْ يَسِيرَ الدَّمِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ إذَا وَقَعَ عَلَى ثَوْبٍ أَحْمَرَ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ أَبْيَضُ رُئِيَ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُرَ عَلَى الْأَحْمَرِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ رُؤْيَتِهِ اتِّحَادُ لَوْنِهِمَا، وَالْعِبْرَةُ بِكَوْنِهِ لَا يُرَى لِلْبَصَرِ الْمُعْتَدِلِ مَعَ عَدَمِ مَانِعٍ، فَلَوْ رَأَى قَوِيُّ النَّظَرِ مَا لَا يَرَاهُ غَيْرُهُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَالظَّاهِرُ الْعَفْوُ عَمَّا فِي سَمَاعِ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ، نَعَمْ يَظْهَرُ فِيمَا لَا يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ الْمُعْتَدِلُ فِي الظِّلِّ وَيُدْرِكُهُ بِوَاسِطَةِ الشَّمْسِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِإِدْرَاكِهِ لَهُ بِوَاسِطَتِهَا لِكَوْنِهَا تَزِيدُ فِي التَّجَلِّي فَأَشْبَهَتْ رُؤْيَتُهُ حِينَئِذٍ رُؤْيَةَ حَدِيدِ الْبَصَرِ، وَشَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ مِنْ مُغَلَّظَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ (قُلْت: ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ) مِنْ مُقَابِلِهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَيَلْحَقُ بِمَا تَقَدَّمَ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا عَلَى مَنْفَذِ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ كَطَيْرٍ وَهِرَّةٍ وَمَا تُلْقِيهِ الْفِئْرَانُ فِي بُيُوتِ الْأَخْلِيَةِ مِنْ النَّجَاسَاتِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَمَا يَقَعُ مِنْ بَعْرِ الشَّاةِ فِي اللَّبَنِ فِي حَالِ الْحَلْبِ مَعَ مَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، فَلَوْ شَكَّ أَوَقَعَ فِي حَالِ الْحَلْبِ أَوْ لَا، فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يُنَجِّسُ إذَا شَرَطَ الْعَفْوَ لَمْ نَتَحَقَّقْهُ، وَكَوْنُ الْأَصْلِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

هُوَ الْمَعْرُوفُ بِالدَّبُّورِ، وَفِي الْمُخْتَارِ الزُّنْبُورُ بِضَمِّ الزَّايِ الدَّبُّورُ تُؤَنَّثُ وَالْجَمْعُ الزَّنَابِيرُ اهـ م ر (قَوْلُهُ: وَضَبَطَ فِي الْمَجْمُوعِ ذَلِكَ) أَيْ النَّجَسَ الَّذِي لَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَوْ خَالَفَ لَوْنَهُ) وَالْكَلَامُ فِيمَا فُرِضَ بِالْفِعْلِ وَخَالَفَ، أَمَّا لَوْ اتَّفَقَ أَنَّهُ لَمْ يُفْرَضْ أَصْلًا وَشَكَّ فِي كَوْنِهِ يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ أَوْ لَا لَمْ يَضُرَّ لِلشَّكِّ فِي النَّجَاسَةِ بِهِ وَنَحْنُ لَا نُنَجِّسُ مَعَ الشَّكِّ (قَوْلُهُ مِمَّا لَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ) أَيْ كَدَمِ الْمَنَافِذِ أَوْ دَمٍ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ، فَلَا يُقَالُ يَسِيرُ الدَّمِ يُعْفَى عَنْهُ (قَوْلُهُ: مَا لَوْ كَانَ مِنْ مُغَلَّظَةٍ) خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: وَمَا تُلْقِيهِ الْفِئْرَانُ) هُوَ بِالْهَمْزِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ حَيْثُ قِيلَ بِالْعَفْوِ عَنْهَا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، لَكِنْ فِي ابْنِ قَاسِمٍ مَا نَصُّهُ: قِيلَ وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْحُكْمُ بِالتَّنْجِيسِ، وَلَكِنْ يُعْفَى عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ.

وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ جَزْمٌ بِاعْتِمَادِهِ حَتَّى يُجْعَلَ مُخَالِفًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ بَعْدَ ذِكْرِ مَسَائِلِ الْعَفْوِ وَشَرْطُ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ لَا يُغَيِّرَ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ مُغَلَّظٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ كَفِعْلِهِ فِيمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ اهـ.

لَكِنْ تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ فِيمَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ التَّصْرِيحُ بِالْعَفْوِ عَنْهُ وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ، وَلْيُنْظَرْ حُكْمُ بَاقِي ذَلِكَ عِنْدَ الشَّارِحِ. وَنَقَلَ ابْنُ قَاسِمٍ عَنْهُ عَلَى مَنْهَجٍ فِي الدَّمِ وَالشَّعْرِ الْقَلِيلِ وَدُخَانِ النَّجَاسَةِ اشْتِرَاطَ كَوْنِهَا مِنْ غَيْرِ مُغَلَّظٍ (قَوْلُهُ: فِي حَالِ الْحَلْبِ) يُؤْخَذُ مِنْ جَعْلِ سَبَبِ الْعَفْوِ الْمَشَقَّةَ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا لَوْ أَصَابَ الْحَالِبَ شَيْءٌ مِنْ بَوْلِهَا أَوْ رَوْثِهَا حَالَ حَلْبِهَا حَيْثُ شَقَّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَقْتَ الْحَلْبِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالْحَلْبِ أَمْ لَا. وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ إنَّمَا عُفِيَ عَنْهُ فِي اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ نَقُلْ بِهِ لَأَدَّى إلَى فَسَادِ اللَّبَنِ، وَقَدْ يَتَكَرَّرُ ذَلِكَ فِي الْمَحْلُوبَةِ فَيَفُوتُ الِانْتِفَاعُ بِلَبَنِهَا، بِخِلَافِ الْحَالِبِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْعَفْوِ أَيْضًا تَلْوِيثُ ضَرْعِ الدَّابَّةِ بِنَجَاسَةٍ تَتَمَرَّغُ فِيهَا أَوْ تُوضَعُ عَلَيْهِ لِمَنْعِ وَلَدِهَا مِنْ شُرْبِهَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ مَنْعِ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ مَا لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ وَمَا هُنَا مِنْ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ فِي الْعَفْوِ مَا لَوْ وَضَعَ اللَّبَنَ فِي إنَاءٍ وَوَضَعَ الْإِنَاءَ فِي الرَّمَادِ أَوْ التَّنُّورِ لِتَسْخِينِهِ فَتَطَايَرَ مِنْهُ رَمَادٌ وَوَصَلَ لِمَا فِي الْإِنَاءِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

لِلشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ وَلَوْ كَانَ بِمَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ وَلَوْ اجْتَمَعَ لَرُئِيَ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَتْ.

فَاسْتُفِيدَ مِنْهَا أَنْ يُحَسُّ بِالضَّبْطِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، وَأَنَّ الْبَعْضَ الْمُبْهَمَ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ، وَأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ بِحَيْثُ يَجْتَمِعُ مِنْهُ فِي دَفَعَاتٍ فِيهِ مُسَاهَلَةٌ فِي التَّعْبِيرِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّارِحِ بَدَلُ يُحَسُّ يَنْجُسُ، وَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ كَمَا عُلِمَ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي تَصْوِيرِ مَا ذُكِرَ عَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ مَا يُحَسُّ إلَى مَا لَا يُحَسُّ لَا بُدَّ وَأَنْ يُحَسَّ، فَيَرْجِعُ حَاصِلُ الْقَيْدِ إلَى عَدَمِ الْعَفْوِ عِنْدَ التَّعَدُّدِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: مِمَّا لَا يُعْفَى عَنْهُ) تَقْيِيدٌ لِلدَّمِ وَنَحْوِهِ: أَيْ يَسِيرِ الدَّمِ وَنَحْوِهِ الْكَائِنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>