طَهَارَةُ مَا وَقَعَ فِيهِ يُعَارِضُهُ كَوْنُ الْأَصْلِ فِي الْوَاقِعِ أَنَّهُ يَنْجُسُ فَتَسَاقَطَا وَبَقِيَ الْعَمَلُ بِأَصْلِ عَدَمِ الْعَفْوِ، وَيُعْفَى عَمَّا يُمَاسُّهُ الْعَسَلُ مِنْ الْكِوَارَةِ الَّتِي تُجْعَلُ مِنْ رَوْثِ نَحْوِ الْبَقَرِ، وَعَنْ رَوْثِ نَحْوِ سَمَكٍ لَمْ يَضَعْهُ فِي الْمَاءِ عَبَثًا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وُقُوعِهِ فِي الْمَاءِ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ جَعْلِهِ فِيهِ، وَأَلْحَقَ الْأَذْرَعِيُّ بِمَا نَشْؤُهُ مِنْ الْمَاءِ، وَالزَّرْكَشِيُّ مَا لَوْ نَزَلَ طَائِرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ طُيُورِ الْمَاءِ فِي مَاءٍ وَذَرَقَ فِيهِ أَوْ شَرِبَ مِنْهُ وَعَلَى فَمِهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تَتَحَلَّلْ عَنْهُ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ، وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِ دُخَانِ النَّجَاسَةِ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ، وَنَقَلَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَاعْتَمَدَهُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ جَرَّةِ الْبَعِيرِ فَلَا تُنَجِّسُ مَا شُرِبَ مِنْهُ، وَيُعْفَى عَمَّا تَطَايَرَ مِنْ رِيقِهِ الْمُتَنَجِّسِ وَيَلْحَقُ بِهِ فَمُ مَا يَجْتَرُّ إذَا الْتَقَمَ غَيْرَ ثَدْيِ أُمِّهِ وَفَمُ صَبِيٍّ تَنَجَّسَ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ الْمُخَالِطِ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يُعْفَى عَمَّا تَحَقَّقَ إصَابَةُ بَوْلِ ثَوْرِ الدِّيَاسَةِ لَهُ بَلْ مَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى.
وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ أَفْوَاهَ الْمَجَانِينِ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَأَفْتَى جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ بِالْعَفْوِ عَمَّا يَبْقَى فِي نَحْوِ الْكَرِشِ مِمَّا يَشُقُّ غَسْلُهُ وَتَنْقِيَتُهُ مِنْهُ. وَالضَّابِطُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَنَّ الْعَفْوَ مَنُوطٌ بِمَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ غَالِبًا
(وَالْجَارِي كَرَاكِدٍ) فِي تَنَجُّسِهِ بِالْمُلَاقَاةِ وَفِيمَا يُسْتَثْنَى، لَكِنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْجَارِي بِالْجَرْيَةِ نَفْسِهَا لَا مَجْمُوعِ الْمَاءِ، فَإِنَّ الْجَرْيَاتِ مُتَفَاصِلَةٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِأَصْلِ عَدَمِ الْعَفْوِ) عِبَارَةُ ابْنِ قَاسِمٍ: وَانْظُرْ لَوْ شَكَّ هَلْ يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ أَوْ أَنَّ الْمَيْتَةَ مِمَّا يَسِيلُ دَمُهُ وَيَتَّجِهُ الْعَفْوُ فِيهِمَا كَمَا وَافَقَ عَلَيْهِ م ر؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ. وَقَدْ قَالُوا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ لَوْ شَكَكْنَا فِي كَثْرَةِ الدَّمِ لَمْ يَضُرَّ تَأَمَّلْ اهـ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْبَعْرَةَ تَحَقَّقْنَا أَنَّهَا مِنْ الْمُنَجِّسِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَمْ نَتَحَقَّقْ فِيهِ ذَلِكَ فَحَكَمْنَا فِي غَيْرِ الْعِبْرَةِ بِأَصْلِ الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ مِنْ الْكِوَارَةِ) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْكِوَارُ وَالْكِوَارَةُ أَيْ بِكَسْرِ الْكَافِ وَالتَّخْفِيفُ فِيهِمَا شَيْءٌ كَالْقِرْطَالَةِ تُتَّخَذُ مِنْ قُضْبَانٍ ضَيِّقِ الرَّأْسِ لِلنَّحْلِ.
وَفِي الْمُغْرِبِ: الْكُوَّارَةُ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ مُعَسَّلُ النَّحْلِ إذَا سُوِيَ مِنْ الطِّينِ اهـ مُخْتَارٌ صِحَاحٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَاءِ عَبَثًا) وَمِنْ الْعَبَثِ مَا لَوْ وُضِعَ فِيهِ لِمُجَرَّدِ التَّفَرُّجِ عَلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَيْسَ مِنْ الْعَبَثِ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ وَضْعِ السَّمَكِ فِي الْآبَارِ وَنَحْوِهَا، لَا كُلُّ مَا يَحْصُلُ فِيهَا مِنْ الْعَلَقِ وَنَحْوِهِ حِفْظًا لِمَائِهَا عَنْ الِاسْتِقْذَارِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَتَحَلَّلْ عَنْهُ) مَفْهُومُهُ أَنَّهَا إذَا تَحَلَّلَتْ ضَرَّ، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا تُلْقِيه الْفِئْرَانُ وَفِيمَا لَوْ وَقَعَتْ بَعْرَةٌ فِي اللَّبَنِ الْعَفْوِ لِلْمَشَقَّةِ (قَوْلُهُ دُخَانُ النَّجَاسَةِ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ وُصُولُهُ لِلْمَاءِ وَنَحْوُهُ بِفِعْلِهِ وَإِلَّا نَجُسَ، وَمِنْهُ الْبَخُورُ بِالنَّجَسِ أَوْ الْمُتَنَجِّسِ كَمَا يَأْتِي فَلَا يُعْفَى عَنْهُ وَإِنْ قَلَّ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِيمَا لَوْ رَأَى ذُبَابَةً عَلَى نَجَاسَةٍ فَأَمْسَكَهَا حَتَّى أَلْصَقَهَا بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْبَخُورَ مِمَّا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَيُغْتَفَرُ الْقَلِيلُ مِنْهُ وَلَا كَذَلِكَ الذُّبَابَةُ، وَمِنْ الْبَخُورِ أَيْضًا مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ تَبْخِيرِ الْحَمَّامَاتِ (قَوْلُهُ: عَنْ جِرَّةِ الْبَعِيرِ) وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ كُلِّ مَا يُجْتَرُّ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ اهـ ابْنُ حَجَرٍ بِالْمَعْنَى.
وَفِي الْمِصْبَاحِ: الْجِرَّةُ بِالْكَسْرِ لِذِي الْخُفِّ وَالظِّلْفُ كَالْمَعِدَةِ لِلْإِنْسَانِ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْجِرَّةِ بِالْكَسْرِ مَا تُخْرِجُهُ الْإِبِلُ مِنْ كُرُوشِهَا فَتَجْتَرُّهُ، وَالْجِرَّةُ فِي الْأَصْلِ الْمَعِدَةُ ثُمَّ تَوَسَّعُوا فِيهَا حَتَّى أَطْلَقُوهَا عَلَى مَا فِي الْمَعِدَةِ (قَوْلُهُ وَيُعْفَى عَمَّا تَطَايَرَ) أَيْ وَوَصَلَ لِثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: غَيْرُ ثَدْيِ أُمِّهِ) وَكَذَا مَا تَطَايَرَ مِنْ رِيقِهِ (قَوْلُهُ: وَفَمُ صَبِيٍّ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِثَدْيِ أُمِّهِ وَغَيْرِهَا كَتَقْبِيلِهِ فِي فَمِهِ عَلَى وَجْهِ الشَّفَقَةِ مَعَ الرُّطُوبَةِ فَلَا يَلْزَمُ تَطْهِيرُ الْفَمِ كَذَا قَرَّرَهُ م ر ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ عَمَّا تَحَقَّقَ) أَيْ وَإِنْ سَهُلَ غَسْلُهُ كَأَنْ شَاهَدَ أَثَرَ النَّجَاسَةِ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ كَكَفٍّ، وَمِثْلُ الْبَوْلِ الرَّوْثُ (قَوْلُهُ: بِمَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ غَالِبًا) وَمِنْ ذَلِكَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ وُقُوعِ نَجَاسَةٍ مِنْ الْفِئْرَانِ وَنَحْوِهَا فِي الْأَوَانِي الْمُعَدَّةِ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي الْبُيُوتِ كَالْجِرَارِ وَالْأَبَارِيقِ
[حاشية الرشيدي]
ذَلِكَ مِمَّا لَا يُعْفَى عَنْهُ كَالْمُغَلَّظِ وَلَيْسَ بَيَانًا لَهُ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الدَّمِ الْعَفْوَ عَنْ يَسِيرِهِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَضَعْهُ فِي الْمَاءِ عَبَثًا) أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute