للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكْمًا وَإِنَّ اتَّصَلَتْ فِي الْحِسِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ جَرْيَةٍ طَالِبَةٌ لِمَا قَبْلَهَا هَارِبَةٌ عَمَّا بَعْدَهَا، فَإِذَا كَانَتْ الْجَرْيَةُ وَهِيَ الدَّفْعَةُ الَّتِي بَيْنَ حَافَّتَيْ النَّهْرِ فِي الْعَرْضِ دُونَ قُلَّتَيْنِ تَنَجَّسَتْ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ سَوَاءٌ أَتَغَيَّرَ أَمْ لَا لِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ الْمَارِّ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ فِيهِ بَيْنَ الْجَارِي وَالرَّاكِدِ، وَيَكُونُ مَحَلُّ تِلْكَ الْجَرْيَةِ مِنْ النَّهْرِ نَجَسًا، وَيَطْهُرُ بِالْجَرْيَةِ بَعْدَهَا وَتَكُونُ فِي حُكْمِ غَسَّالَةِ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُغَلَّظَةً فَلَا بُدَّ مِنْ سَبْعِ جِرْيَاتٍ عَلَيْهَا.

هَذَا فِي نَجَاسَةٍ تَجْرِي بِجَرْيِ الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ جَامِدَةً وَاقِفَةً فَذَلِكَ الْمَحَلُّ نَجَسٌ، وَكُلُّ جَرْيَةٍ تَمُرُّ بِهَا نَجِسَةٌ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ قُلَّتَانِ مِنْهُ فِي حَوْضٍ أَوْ مَوْضِعٍ مُتَرَادٍّ، وَيُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ مَاءٌ أَلْفِ قُلَّةٍ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ وَهُوَ نَجَسٌ (وَفِي الْقَدِيمِ لَا يَنْجُسُ بِلَا تَغَيُّرٍ) لِقُوَّتِهِ بِوُرُودِهِ عَلَى النَّجَاسَةِ فَأَشْبَهَ الْمَاءَ الَّذِي يُطَهِّرُهَا بِهِ، وَعَلَيْهِ فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا لَا طَهُورًا

(وَالْقُلَّتَانِ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيٍّ) نِسْبَةً إلَى

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَنَحْوِهِمَا، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْجِرَارَ وَنَحْوَهَا يُمْكِنُ حِفْظُ مَا فِيهَا بِتَغْطِيَتِهَا، وَلَا كَذَلِكَ حِيَاضُ الْأَخْلِيَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْفَرْقِ لِلْمَشَقَّةِ، وَمِنْهُ أَيْضًا مَا يَقَعُ لِإِخْوَانِنَا الْمُجَاوِرِينَ مِنْ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ يُرِيدُ الِاحْتِيَاطَ فَيَتَّخِذُ لَهُ إبْرِيقًا لِيَسْتَنْجِيَ مِنْهُ ثُمَّ يَجِدَ فِيهِ بَعْدَ فَرَاغِ الِاسْتِنْجَاءِ زِبْلَ فِئْرَانٍ لِلْمَشَقَّةِ أَيْضًا، وَمِنْهُ أَيْضًا زَرَقُ الطُّيُورِ فِي الطَّعَامِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ

(قَوْلُهُ: وَهِيَ الدُّفْعَةُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الدَّفْعَةُ أَيْ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ، وَبِالضَّمِّ الدُّفْعَةُ مِنْ الْمَطَرِ اهـ بِحُرُوفِهِ، وَالْمُنَاسِبُ هُنَا الضَّمُّ (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ سَبْعِ جَرْيَاتٍ عَلَيْهَا) أَيْ وَمِنْ التَّتْرِيبِ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْأَرْضِ التُّرَابِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ جَامِدَةً وَاقِفَةً) هَلْ الْجَارِي مِنْ الْمَائِعِ كَالْمَاءِ حَتَّى لَا يَتَعَدَّى حُكْمَ كُلِّ جَرْيَةٍ لِغَيْرِهَا كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا بِرّ، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا طب أَنَّهُ مِثْلُهُ، وَإِلَّا لَزِمَ فِيمَا لَوْ نَزَلَ خَيْطٌ مَائِعٌ مِنْ عُلُوٍّ عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ نَجَاسَةَ جَمِيعِ مَا فِي الْعُلُوِّ مِنْ الْمَائِعِ الَّذِي نَزَلَ مِنْهُ الْخَيْطُ وَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِذَلِكَ، وَمَا قَالَهُ: أَيْ مِنْ أَنَّ الْمَائِعَ كَالْمَاءِ لَا مَحِيصَ عَنْهُ اهـ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى الْمَنْهَجِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

ثُمَّ رَأَيْت فِي ابْنِ حَجَرٍ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ الْجَارِيَ مَعَ الْمَائِعِ كَالرَّاكِدِ فَيَنْجُسُ جَمِيعُهُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ لَا خُصُوصَ الْجِرْيَةِ الَّتِي بِهَا النَّجَاسَةُ، وَتَقَدَّمَ فِي الشَّارِحِ مَا يُوَافِقُهُ فِي قَوْلِهِ: وَمِثْلُ الْمَاءِ الْقَلِيلِ كُلُّ مَائِعٍ وَتَرَدَّدَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْرِيقِ وَاسْتَقْرَبَ أَنَّ مَا فِي بَطْنِهِ لَا يَنْجُسُ، بَلْ وَمَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالنَّجَاسَةِ مِنْ الْخَيْطِ النَّازِلِ، قَالَ: لِأَنَّ الْجَارِيَ مِنْ الْمَائِعِ كَالْجَارِي مِنْ الْمَاءِ، بَلْ؛ لِأَنَّ الِانْصِبَابَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ يَمْنَعُ مِنْ الِاتِّصَالِ عُرْفًا، فَاقْتَضَى قَصْرَ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمُلَاقِي لَهَا دُونَ غَيْرِهِ، وَاسْتُشْهِدَ لِذَلِكَ بِمَا نَقْلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَبَّ زَيْتًا مِنْ إنَاءٍ فِي آخَرَ بِهِ فَأْرَةٌ حَيْثُ قَالُوا لَا يَنْجُسُ مَا فِي هَذَا الثَّانِي مِمَّا لَمْ يُلَاقِ الْفَأْرَةَ وَبِكَلَامٍ نَقَلَهُ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِيمَا لَوْ جُرِحَ فِي صَلَاتِهِ وَخَرَجَ مِنْهُ دَمٌ لَوَّثَ الْبَشَرَةَ تَلْوِيثًا قَلِيلًا حَيْثُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِسَبَبِ الدَّمِ الْبَعِيدِ عَنْ الْبَشَرَةِ، وَأَطَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ

(قَوْلُهُ: وَالْقُلَّتَانِ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيٍّ) وَمِقْدَارُهُمَا بِالْأَرْطَالِ الْمِصْرِيَّةِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَرُبْعُ رِطْلٍ وَسُدُسُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِ الْحَاوِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ ابْنُ عَلَّانَ: هُمَا بِالْوَزْنِ الْمِصْرِيِّ أَرْبَعُمِائَةِ رِطْلٍ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ، وَبِالدِّمَشْقِيِّ مِائَةُ رِطْلٍ وَسَبْعَةُ أَرْطَالٍ وَسُبْعِ رِطْلٍ، وَبِالْمَقْدِسِيِّ ثَمَانُونَ رِطْلًا وَثُلُثُ رِطْلٍ وَرُبْعُ أُوقِيَّةٍ وَدِرْهَمَانِ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ وَثُلُثُ سُبْعِ دِرْهَمٍ، وَبِالْأَمْنَانِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

وَلَمْ يُغَيِّرْهُ كَمَا سَيَأْتِي لَهُ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ

(قَوْلُهُ: وَيَطْهُرُ بِالْجَرْيَةِ بَعْدَهَا وَتَكُونُ فِي حُكْمِ غُسَالَةِ النَّجَاسَةِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ مَا تَجْرِي عَلَيْهِ مِنْ أَجْزَاءِ النَّهْرِ فَلَا يَصِحُّ بِهَا رَفْعُ حَدَثٍ وَلَا إزَالَةُ خَبَثٍ آخَرَ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَا تَجْرِي عَلَيْهِ مِنْ أَجْزَاءِ النَّهْرِ فَلَا مَا دَامَتْ وَارِدَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَلَوْ حَكَمْنَا عَلَيْهَا بِالِاسْتِعْمَالِ مُطْلَقًا بِمُجَرَّدِ مُرُورِهَا عَلَى مَحَلِّ جَرْيَةِ النَّجَاسَةِ كُنَّا نَحْكُمُ عَلَيْهَا بِالنَّجَاسَةِ إذَا مَرَّتْ عَلَى مَحَلٍّ ثَانٍ مَرَّتْ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ، إذْ الْمُسْتَعْمَلُ لَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>