بَغْدَادَ بِدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ وَبِإِعْجَامِ الثَّانِيَةِ وَبِنُونٍ بَدَلَهَا وَبِمِيمٍ أَوَّلُهُ بَدَلَ الْبَاءِ مَدِينَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَالرِّطْلُ بِكَسْرِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا لِخَبَرِ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» وَفِي رِوَايَةٍ «فَإِنَّهُ لَا يَنْجُسُ» وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا: أَيْ يَدْفَعُ النَّجَسَ وَلَا يَقْبَلُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ» وَالْوَاحِدَةُ قَدَّرَهَا إمَامُنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقِرْبَتَيْنِ وَنِصْفٍ أَخْذًا مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا: أَيْ مِنْ قِرَبِ الْحِجَازِ، وَوَاحِدَتُهَا لَا تَزِيدُ غَالِبًا عَلَى مِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيٍّ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي زَكَاةِ النَّابِتِ، فَاحْتَاطَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَحَسَبَ الشَّيْءَ نِصْفًا، إذْ لَوْ كَانَ فَوْقَهُ لَقَالَ تَسَعُ ثَلَاثَ قِرَبٍ إلَّا شَيْئًا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ، فَتَكُونُ الْقُلَّتَانِ خَمْسَ قِرَبٍ وَالْمَجْمُوعُ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ.
وَهَجَرُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْجِيمِ: قَرْيَةٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ، وَهُمَا ذِرَاعٌ وَرُبْعٌ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا فِي الْمَوْضِعِ الْمُرَبَّعِ الْمُسْتَوِي الْأَبْعَادِ الثَّلَاثَةِ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ وَهُوَ شِبْرَانِ (تَقْرِيبًا فِي الْأَصَحِّ) قَدَّمَ تَقْرِيبًا لِيَشْمَلَهُ وَمَا قَبْلَهُ التَّصْحِيحُ فَلَا يَضُرُّ نَقْصُ رِطْلٍ أَوْ رِطْلَيْنِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ: إنَّهُ لَا يَضُرُّ نَقْصُ قَدْرٍ لَا يَظْهَرُ بِنَقْصِهِ تَفَاوُتٌ فِي التَّغْيِيرِ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُغَيَّرَةِ، كَأَنْ تَأْخُذَ إنَاءَيْنِ فِي وَاحِدٍ قُلَّتَانِ وَفِي الْآخَرِ دُونَهُمَا، ثُمَّ تَضَعُ فِي أَحَدِهِمَا قَدْرًا مِنْ الْمُغَيَّرِ وَتَضَعُ فِي الْآخَرِ قَدْرَهُ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي التَّغْيِيرِ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ وَإِلَّا ضُرَّ وَمُقَابِلُ مَا مَرَّ مَا قِيلَ إنَّهَا أَلْفُ رِطْلٍ، وَقِيلَ هُمَا سِتُّمِائَةِ رِطْلٍ، وَقِيلَ إنَّهُمَا تَحْدِيدٌ فَيَضُرُّ أَيُّ شَيْءٍ نَقَصَ (وَالتَّغَيُّرُ) الْمُؤَثِّرُ حِسًّا أَوْ تَقْدِيرًا (بِطَاهِرٍ أَوْ نَجَسٍ طَعْمٌ أَوْ لَوْنٌ أَوْ رِيحٌ) فَتَغَيُّرُ أَحَدِ الْأَوْصَافِ كَافٍ. أَمَّا فِي النَّجَسِ فَبِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا فِي الطَّاهِرِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُؤَثِّرِ عَنْ التَّغَيُّرِ بِجِيفَةٍ عَلَى الشَّطِّ.
وَلَمَّا كَانَ قَدْ يَعْرِضُ اشْتِبَاهٌ بَيْنَ الْمَاءِ الطَّهُورِ وَغَيْرِهِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ حُكْمَ الِاجْتِهَادِ فَقَالَ (وَلَوْ) (اشْتَبَهَ) عَلَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مِائَتَا مَنٍّ وَخَمْسُونَ مَنًّا؛ لِأَنَّ الْمَنَّ رِطْلَانِ (قَوْلُهُ: وَبِمِيمٍ أَوَّلُهُ) أَيْ مَعَ النُّونِ فَقَطْ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَعِبَارَتُهُ بَغْدَادَ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَمُعْجَمَتَيْنِ وَتَقْدِيمُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَبَغْدَانُ وَبَغْدَيْنُ وَمَغْدَانُ مَدِينَةُ السَّلَامِ، وَتَبَغْدَدَ إذَا انْتَسَبَ إلَيْهَا أَوْ تَشَبَّهَ بِأَهْلِهَا اهـ (قَوْلُهُ: عَلَى مِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيٍّ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَحِينَئِذٍ فَانْتِصَارُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِخَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ مُبْهَمٌ لَمْ يُبَيَّنْ عَجِيبٌ، إذْ لَا وَجْهَ لِلْمُنَازَعَةِ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ وَإِنْ سُلِّمَ ضَعْفُ زِيَادَةٍ مِنْ قِلَالِ هَجْرٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا اُكْتُفِيَ بِالضَّعِيفِ فِي الْفَضَائِلِ وَالْمَنَاقِبِ فَالْبَيَانُ كَذَلِكَ، بَلْ أَبُو حَنِيفَةَ يَحْتَجُّ بِهِ مُطْلَقًا.
وَأَمَّا اعْتِمَادُ الشَّافِعِيِّ لَهُمَا فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إمَّا لِهَذَا أَوْ لِثُبُوتِهَا عِنْدَهُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَوْضِعِ الْمُرَبَّعِ) أَمَّا فِي الْمُدَوَّرِ فَذِرَاعٌ عَرْضًا وَذِرَاعَانِ عُمْقًا بِذِرَاعِ النَّجَّارِ فِي الْعُمْقِ وَذِرَاعِ الْآدَمِيِّ فِي الْعَرْضِ (قَوْلُهُ: أَوْ رِطْلَيْنِ) لَا يُقَالُ هَذَا يَرْجِعُ إلَى التَّحْدِيدِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هُوَ تَحْدِيدٌ غَيْرُ التَّحْدِيدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ اهـ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى مَنْهَجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(قَوْلُهُ: حُكْمَ الِاجْتِهَادِ) لَمْ يَقُلْ بَيْنَ الْمَاءَيْنِ مَعَ أَنَّهُ الْوَاقِعُ هُنَا إشَارَةً إلَى أَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَاءَيْنِ بَلْ كَمَا يَكُونُ فِيهِمَا يَكُونُ فِي غَيْرِهِمَا كَالثِّيَابِ وَالْأَوَانِي وَالتُّرَابِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اشْتَبَهَ إلَخْ) فِي شَرْحِ الْعُبَابِ لَوْ حَصَلَ لَهُ رَشَاشٌ مِنْ أَحَدِ الْإِنَاءَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ ثَوْبُهُ لِلشَّكِّ، كَمَا لَوْ أَصَابَهُ بَعْضُ ثَوْبٍ تَنَجَّسَ بَعْضُهُ وَاشْتَبَهَ وَفَارَقَ بُطْلَانَ الصَّلَاةِ بِلَمْسِ بَعْضِهِ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا ظَنُّ الطَّهَارَةِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا، وَلَوْ اجْتَهَدَ وَظَنَّ نَجَاسَةَ مَا أَصَابَهُ الرَّشَاشُ مِنْهُ فَكَذَلِكَ: أَيْ لَمْ يَنْجُسْ عَلَى الْأَوْجَهِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَثْبُتُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ نَجَاسَتَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي حَدَثٍ لَمْ يُمْكِنْ الْجَزْمُ بِالنِّيَّةِ أَوْ فِي خَبَثٍ فَهُوَ مُحَقَّقٌ فَلَا يَزُولُ بِمَشْكُوكٍ فِيهِ إلَخْ اهـ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ، ثُمَّ تَعَقَّبَ قَوْلَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَأَطَالَ فِيهِ
[حاشية الرشيدي]
وَكَانَ مَا بَعْدَهَا يُطَهِّرُ مَحَلَّهَا، وَيَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، فَإِذَا انْتَقَلَ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ تَنَجَّسَ وَهَكَذَا فَتَدَبَّرْ
(قَوْلُهُ: وَبِمِيمٍ أَوَّلِهِ) أَيْ مَعَ النُّونِ فَقَطْ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهَا تَسَع) فِي الْعِبَارَةِ تَسَاهُلٌ وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مُتَعَلِّقٌ لِهَذَا الظَّرْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute