شَخْصٍ أَهْلٍ لِلِاجْتِهَادِ وَلَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا فِيمَا يَظْهَرُ (مَاءٌ طَاهِرٌ) أَيْ طَهُورٌ (بِنَجَسٍ) أَيْ بِمَاءٍ نَجَسٍ، أَوْ تُرَابٌ طَاهِرُ بِضِدِّهِ، أَوْ مَاءٌ أَوْ تُرَابٌ مُسْتَعْمَلٌ بِطَهُورٍ، أَوْ شَاتُه بِشَاةِ غَيْرِهِ أَوْ ثَوْبُهُ بِثَوْبِ غَيْرِهِ أَوْ طَعَامُهُ بِطَعَامِ غَيْرِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، وَسَكَتَ عَنْ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا اكْتِفَاءً بِمَا سَيَذْكُرُهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ (اجْتَهَدَ) أَيْ بَذَلَ جُهْدَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّ قَلَّ عَدَدُ الطَّاهِرِ كَإِنَاءٍ مِنْ مِائَةٍ؛ لِأَنَّ التَّطَهُّرَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ بِالِاجْتِهَادِ فَوَجَبَ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ كَالْقِبْلَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَرَادَهَا بَعْدَ حَدَثِهِ وُجُوبًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى طَهُورٍ بِيَقِينٍ مُوَسَّعًا إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَمُضَيَّقًا إنْ ضَاقَ وَجَوَازًا إنْ قَدَرَ عَلَى طَهُورٍ بِيَقِينٍ، كَأَنْ كَانَ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ أَوْ بَلَغَ الْمَاءَانِ الْمُشْتَبَهَانِ قُلَّتَيْنِ بِخَلْطِهِمَا بِلَا تَغَيُّرٍ، إذْ الْعُدُولُ إلَى الْمَظْنُونِ مَعَ وُجُودِ الْمُتَيَقَّنِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانَ يَسْمَعُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَرَاجِعْهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ الْمَيْلُ إلَى تَبَيُّنِ النَّجَاسَةِ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ. وَنَقَلَ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ م ر اعْتِمَادَ عَدَمِ وُجُوبِ الْغَسْلِ اهـ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ النَّاشِئَ عَنْ الِاجْتِهَادِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ، فَالْقِيَاسُ وُجُوبُ الْغَسْلِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ لِنَحْوِ الْمِلْكِ بِاجْتِهَادٍ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ اهـ.
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الرُّشْدُ فَيَصِحُّ الِاجْتِهَادُ فِيهِ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، وَقَدْ يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّمَلُّكِ فَهُوَ كَالصَّبِيِّ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ اجْتَهَدَ مُكَلِّفَانِ فِي ثَوْبَيْنِ وَاتَّفَقَا فِي اجْتِهَادِهِمَا عَلَى وَاحِدٍ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا صُدِّقَ صَاحِبُ الْيَدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُقِفَ الْأَمْرُ إلَى اصْطِلَاحِهِمَا عَلَى شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا جُعِلَ مُشْتَرَكًا، ثُمَّ إذَا صَدَّقْنَا صَاحِبَ الْيَدِ سَلِمَتْ الثَّوْبُ لَهُ وَتَبْقَى الْأُخْرَى تَحْتَ يَدِهِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ الْآخَرُ وَيُصَدِّقُهُ فِي أَنَّهَا لَهُ كَمَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِمَنْ يُنْكِرُهُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْبَهْجَةِ: فَإِنْ تَنَازَعَ ذُو الْيَدِ مَعَ غَيْرِهِ قُدِّمَ ذُو الْيَدِ اهـ.
وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ ظَنَّ أَنَّ مِلْكَهُ هُوَ مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَجَبَ اجْتِنَابُ مَا عَدَاهُ إلَّا بِمُسَوِّغِهِ، وَهَلْ لَهُ حِينَئِذٍ أَخْذُ مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ أَوْ مَا فِي يَدِهِ عَلَى وَجْهِ الظَّفَرِ بِهِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ.
أَقُولُ: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَأْخُذُ مَا فِي يَدِهِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الظَّفَرِ لِمَنْعِهِ مِنْ وُصُولِهِ إلَى حَقِّهِ بِظَنِّهِ بِسَبَبِ مَنْعِ الثَّانِي مِنْهُ، وَقَوْلُهُ أَيْضًا وَلَوْ صَبِيًّا: أَيْ أَوْ مَجْنُونًا أَفَاقَ وَمَيَّزَ تَمْيِيزًا قَوِيًّا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ فِيهِ حِدَةُ تُغَيِّرُ أَخْلَاقَهُ وَتَمْنَعُ مِنْ حُسْنِ تَصَرُّفِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ طَهُورٌ) إنَّمَا فَسَّرَ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ وَتَطْهُرُ بِمَا ظَنَّ طَهَارَتَهُ، وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ: أَيْ بِمَاءِ نَجَسٍ (قَوْلُهُ: أَوْ تُرَابٍ طَاهِرٍ) أَيْ طَهُورٍ (قَوْلُهُ: بِضِدِّهِ) أَيْ وَهُوَ النَّجَسُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ أَوْ تُرَابٍ مُسْتَعْمَلٍ بِطَهُورٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَلَّ عَدَدُ الطَّاهِرِ) أَيْ حَيْثُ كَانَ الِاشْتِبَاهُ فِي مَحْصُورٍ (قَوْلُهُ: وُجُوبًا) مَعْمُولٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ اجْتَهَدَ (قَوْلُهُ: إذْ الْعُدُولُ إلَى الْمَظْنُونِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ اجْتَهَدَ،
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَيْ طَهُورٌ) أَيْ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَتَطْهُرُ بِمَا ظَنَّ طَهَارَتَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ بِمَاءٍ نَجِسٍ) أَيْ لِيَخْرُجَ نَحْوُ الْبَوْلِ الَّذِي يَشْمَلُهُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: وَتُرَابٌ طَاهِرٌ) إنْ أَرَادَ الطَّاهِرَ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْمُسْتَعْمَلِ فَلَكَ أَنْ تَقُولَ: مَا فَائِدَةُ الِاجْتِهَادِ بَيْنَ الْمُسْتَعْمَلِ وَالنَّجِسِ مِنْ التُّرَابِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّهُورَ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ بَعْدُ أَوْ تُرَابٌ مُسْتَعْمَلٌ بِطَهُورٍ،؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُسْتَعْمَلِ وَالنَّجِسِ ضِدٌّ لِلطَّهُورِ (قَوْلُهُ: وَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَاءِ) أَيْ وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ التُّرَابَ مَعَ اشْتِرَاكِهِ مَعَهُ فِي الطَّهُورِيَّةِ فَلَيْسَ مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ وَسَكَتَ عَنْ الثِّيَابِ إلَخْ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ التَّطْهِيرَ شَرْطٌ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِخُصُوصِ مَا فِي الْمَتْنِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي زَادَهَا هُوَ (قَوْلُهُ: فَوَجَبَ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ) إطْلَاقُ الْوُجُوبِ هُنَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي عَقِبَهُ مِنْ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: وُجُوبًا) إنْ كَانَ مَعْمُولًا لِوَجَبَ لَزِمَ عَلَيْهِ تَقْسِيمُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى غَيْرِهِ،؛ لِأَنَّهُ قَسَّمَ الْوُجُوبَ إلَى وُجُوبٍ وَجَوَازٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَوْهَمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَلَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ إلَّا فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ مَعْمُولًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ اجْتَهَدَ لَزِمَ عَلَيْهِ الثَّانِي.
وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ: الِاجْتِهَادُ فِي الْمَاءِ وَاجِبٌ إنْ اشْتَبَهَ مُطْلَقٌ بِمُسْتَعْمَلٍ أَوْ بِمُتَنَجِّسٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute