للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ بَعْضٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْمُتَيَقِّنِ، وَهُوَ سَمَاعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفَارَقَ الْقَادِرُ عَلَى الْيَقِينِ فِي الْقِبْلَةِ مِنْ وُجُوهٍ أَحْسَنُهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهَا كَانَ طَلَبُهُ لَهَا فِي غَيْرِهِ عَبَثًا بِخِلَافِ الْمَاءِ الطَّهُورِ فَإِنَّهُ فِي جِهَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ وُجُوبِ الِاجْتِهَادِ تَارَةً وَجَوَازُهُ أُخْرَى هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ.

وَأَمَّا قَوْلُ الْعَلَّامَةِ الْعِرَاقِيِّ: إنَّهُ وَاجِبٌ مُطْلَقًا وَوُجُودُ مُتَيَقَّنٍ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ: أَيْ الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ خِصَالِ الْمُخَيَّرِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَاجِبٌ، فَيُرَدُّ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا هُنَا وَخِصَالِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَاضِحٌ، وَهُوَ أَنَّهُ خُوطِبَ لِكُلٍّ مِنْهَا لُزُومًا لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ، فَصَدَقَ عَلَى كُلٍّ أَنَّهُ وَاجِبٌ.

وَأَمَّا هُنَا فَلَمْ يُخَاطِبْهُ بِتَحْصِيلِ الطَّهُورِ أَوْ الطَّاهِرِ إلَّا عِنْدَ فَقْدِهِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ.

وَأَمَّا قَبْلَهُ أَوْ مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُخَاطَبٍ بِالتَّحْصِيلِ، إذْ لَا مَعْنَى لِوُجُوبِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ كَلَامِهِ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَ إرَادَةِ اسْتِعْمَالِ أَحَدِ الْمُشْتَبِهَيْنِ، إذْ اسْتِعْمَالُ أَحَدِهِمَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَأَوْلَى مِنْهُ كَوْنُهُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَجَوَازًا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ سَمَاعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ مَا ذُكِرَ: وَمَعَ هَذَا الْمُقْتَضِي لِشُذُوذِ هَذَا الْوَجْهِ لَا يَبْعُدُ نَدْبُ رِعَايَتِهِ، ثُمَّ رَأَيْته مُصَرَّحًا بِهِ انْتَهَى بِحُرُوفِهِ. لَكِنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقِيلَ إنْ قَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ إلَخْ، وَشَمِلَ هَذَا مَا إذَا بَلَغَ الْمَاءَانِ الْمُشْتَبِهَانِ قُلَّتَيْنِ بِخَلْطِهِمَا بِلَا تَغَيُّرٍ، إلَّا أَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ وَجْهٌ بِعَدَمِ عَوْدِ الطَّهُورِيَّةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ صِفَةَ الِاسْتِعْمَالِ بَاقِيَةٌ وَلَمْ تَنْدَفِعْ بِالْكَثْرَةِ وَحِينَئِذٍ لَمْ يُنْفَ الْخِلَافُ بِالْخَلْطِ، فَهَلْ الْأَوْلَى مُرَاعَاةُ هَذَا فَيُتْرَكُ الْخَلْطُ وَيُصَارُ إلَى الِاجْتِهَادِ أَوْ لَا؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَقْرَبُ اسْتِحْبَابُ الْخَلْطِ لِزِيَادَةِ ضَعْفِ الْقَوْلِ، بِعَدَمِ عَوْدِ الطَّهُورِيَّةِ بَعْدَ بُلُوغِ الْمُسْتَعْمَلِ قُلَّتَيْنِ.

(قَوْلُهُ: عَبَثًا) قَدْ يُقَالُ لَمْ يَطْلُبْ غَيْرَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ الِاشْتِبَاهُ، وَهُوَ إنَّمَا طَلَبَ الْقِبْلَةَ لَا غَيْرَهَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ اجْتِهَادُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ فِي حُكْمِ طَلَبِ غَيْرِهَا، فَإِنَّ عُدُولَهُ عَنْ الْمُتَيَقَّنِ إلَى الِاجْتِهَادِ قَدْ يُؤَدِّي إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَكَأَنَّهُ طَلَبَهُ (قَوْلُهُ: إنَّهُ وَاجِبٌ مُطْلَقًا) أَيْ قَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: فَيَرِدُ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا هُنَا) عِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ خِصَالُ الْمُخَيَّرِ انْحَصَرَتْ بِالنَّصِّ وَهِيَ مَقْصُودَةٌ لِذَاتِهَا، وَالِاجْتِهَادُ وَسِيلَةٌ لِلْعِلْمِ بِالطَّاهِرِ إلَخْ اهـ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلُهُ لَيْسَ إلَخْ بَلْ هُوَ وَاَللَّهِ فِي مَحَلِّهِ اهـ.

أَقُولُ: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الِانْحِصَارَ بِالنَّصِّ وَكَوْنَهُ مَقْصُودًا مِمَّا لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْوُجُوبِ، بَلْ سَبَبُ الْوُجُوبِ أَنَّ كُلًّا مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ يُوجَدُ فِيهِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ أَحَدُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا وَالْخُرُوجُ مِنْ الْعُهْدَةِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ، وَكَوْنُهُ وَاجِبًا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ وُجُودُ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فِيهِ، فَأَيُّ دَخْلٍ لِلِانْحِصَارِ وَالْقَصْدِ فِي الْوُجُوبِ حَتَّى يَنْتَفِيَ الْوُجُوبُ بِانْتِفَائِهِمَا؟ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنَّهُ خُوطِبَ) أَيْ فِي خِصَالِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ (قَوْلُهُ: بِكُلٍّ مِنْهَا لُزُومًا) أَيْ فِي ضِمْنِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، حَتَّى إنَّهُ إذَا فَعَلَ وَاحِدًا مِنْهَا كَانَ وَاجِبًا مِنْ حَيْثُ وُجُودُ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فِي ضِمْنِهِ لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَبْلَهُ) أَيْ دُخُولِ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ أَوْ مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ) أَيْ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: إذْ لَا مَعْنَى لِوُجُوبِهِ) أَيْ وَلَا لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ حَاصِلٌ مَعَهُ (قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ كَلَامِهِ إلَخْ) تَصْوِيرُهُ بِمَا ذُكِرَ يُنَافِي مَا أَرَادَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ مِنْ أَنَّهُ وَاجِبٌ مُخَيَّرٌ،

ــ

[حاشية الرشيدي]

إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمَا، وَتَضَيَّقَ إنْ ضَاقَ وَإِلَّا فَجَائِزٌ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْعَلَّامَةِ الْعِرَاقِيِّ إنَّهُ وَاجِبٌ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ أَوُجِدَ مُتَيَقِّنُ الطَّهَارَةِ أَوْ لَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَوُجُودُ مُتَيَقِّنٍ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ: أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَإِلَّا فَالْعِرَاقِيُّ لَا يَسَعُهُ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَإِنْ فُهِمَ عَنْ الشَّارِحِ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مُطْلَقًا حَتَّى رَتَّبَ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي.

إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا مَحِيدَ عَمَّا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّ، وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ لَا يُلَاقِيهِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْمُؤَاخَذَاتِ الْمَعْلُومَةِ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ فَلَا نُطِيلُ بِبَيَانِهَا (قَوْلُهُ: مُخَاطَبٌ بِكُلٍّ مِنْهَا لُزُومًا) فِيهِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهِ فِي الْكَفَّارَةِ الْمُخَيِّرَةِ إنَّمَا هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ الْحَاصِلُ فِي فَرْدٍ مَا لَا كُلِّ فَرْدٍ وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الْجَوَابُ عَنْهُ بِمَا لَا يَشْفِي (قَوْلُهُ: وَأَمَّا هُنَا)

<<  <  ج: ص:  >  >>