للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبْلَهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ فَيَكُونُ مُتَلَبِّسًا بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَنْ عَبَّرَ بِالْجَوَازِ وَالْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ الْإِعْرَاضَ عَنْهُمَا، وَالْوُجُوبُ مِنْ حَيْثُ قَصْدُهُ إرَادَةَ اسْتِعْمَالِ أَحَدِهِمَا. لَا يُقَالُ لَابِسُ الْخُفِّ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ الْغَسْلُ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَلِمَ لَمْ يَقُلْ بِهِ هُنَا؟ لِأَنَّا نَقُولُ: لَمْ يَخْتَلِفْ هُنَاكَ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْغَسْلِ بِخِلَافِهِ هُنَا. وَالِاجْتِهَادُ وَالتَّحَرِّي وَالتَّأَخِّي: بَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي طَلَبِ الْمَقْصُودِ (وَتَطْهُرُ بِمَا ظُنَّ طَهَارَتُهُ) بِأَمَارَةٍ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَاضْطِرَابٍ أَوْ رَشَّاشٍ أَوْ تَغَيُّرٍ أَوْ قُرْبِ كَلْبٍ.

وَلِلِاجْتِهَادِ شُرُوطٌ: أَحَدُهَا بَقَاءُ الْمُشْتَبَهَيْنِ إلَى تَمَامِ الِاجْتِهَادِ، فَلَوْ انْصَبَّ أَحَدُهُمَا أَوْ تَلِفَ امْتَنَعَ الِاجْتِهَادُ وَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ وَإِنْ لَمْ يَرِقَّ مَا بَقِيَ.

ثَانِيهَا أَنْ يَتَأَيَّدَ الِاجْتِهَادُ بِأَصْلِ الْحِلِّ فَلَا يَجْتَهِدُ فِي مَاءٍ اشْتَبَهَ بِبَوْلٍ وَإِنْ كَانَ يَتَوَقَّعُ ظُهُورَ الْعَلَامَةِ، إذْ لَا أَصْلَ لِلْبَوْلِ فِي حِلِّ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ التَّطْهِيرُ هُنَا.

ثَالِثًا أَنْ يَكُونَ لِلْعَلَامَةِ فِيهِ مَجَالٌ: أَيْ مَدْخَلٌ كَالْأَوَانِي وَالثِّيَابِ، بِخِلَافِ اخْتِلَاطِ الْمَحْرَمِ بِنِسْوَةٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي النِّكَاحِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ سَعَةَ الْوَقْتِ، فَلَوْ ضَاقَ عَنْ الِاجْتِهَادِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ.

وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْإِنَاءَانِ لِوَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

إذْ الْمُخَيَّرُ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ، وَالشَّارِحُ جَعَلَ الْوَاجِبَ هُنَا الِاجْتِهَادَ عَبَثًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ إرَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَالْعُدُولِ إلَى الطَّاهِرِ الْمُتَيَقَّنِ، لَكِنَّ هَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ الْعُدُولُ إلَى الطَّاهِرِ مِنْ الْوَاجِبِ أَيْضًا، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِتَحْصِيلِ سَبَبِ الطَّهَارَةِ وَهَذَا مِنْهَا (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ الْإِعْرَاضَ عَنْهُمَا) أَيْ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ اسْتِعْمَالِ الْمُتَيَقَّنِ وَالْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ عَلَى السَّوَاءِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ قَوْلُهُ الْآتِي لَا يُقَالُ لَابِسُ الْخُفِّ إلَخْ (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ) أَيْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْعُدُولُ عَنْهُمَا لَا أَنَّهُمَا مِنْ قَبِيلِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ: أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا رُخْصَةٌ وَمَسْحُ الْخُفِّ هُنَا رُخْصَةٌ، فَلَيْسَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ، وَلَا التَّخْيِيرُ بَيْنَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ وَالْحَجْرِ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ هُنَا) يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي هُنَا إنَّمَا هُوَ فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ حَيْثُ قَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ بِيَقِينٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ: وَقِيلَ إنْ قَدَرَ إلَخْ، أَمَّا بِالنَّظَرِ لِأَفْضَلِيَّةِ اسْتِعْمَالِ مُتَيَقَّنِ الطَّهَارَةِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ، وَهُوَ مَعَ شُذُوذِ هَذَا الْوَجْهِ لَا يَبْعُدُ رِعَايَتُهُ اهـ.

وَحِينَئِذٍ لَا يَتِمُّ لِلشَّارِحِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ (قَوْلُهُ فِي طَلَبِ الْمَقْصُودِ) هَذَا تَعْرِيفٌ لَهُ لُغَةً. وَأَمَّا اصْطِلَاحًا فَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بَذْلُ الْوُسْعِ فِي طَلَبِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ (قَوْلُهُ: وَتَطْهُرُ بِمَا ظُنَّ طَهَارَتُهُ) بِاجْتِهَادِهِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُمْ أَعْرَضُوا فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ أَصْلِ طَهَارَةِ الْمَاءِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَا ظَنَّ طَهَارَتَهُ بِاجْتِهَادِهِ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا إنْ اجْتَهَدَ فِيهِ بِشَرْطِهِ وَظَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا، وَظَاهِرٌ أَنَّ لِلْمُجْتَهِدِ تَطْهِيرَ نَحْوِ حَلِيلَتِهِ الْمَجْنُونَةِ أَوْ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ لِلطَّوَافِ بِهِ أَيْضًا اهـ ابْنُ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فَلَوْ انْصَبَّ أَحَدُهُمَا) أَيْ بِتَمَامِهِ (قَوْلُهُ: بِأَصْلِ الْحِلِّ) عَبَّرَ بِهِ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ أَصْلٌ فِي التَّطْهِيرِ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَيْسَ وَسِيلَةً لِلطَّهَارَةِ فَقَطْ، بَلْ هُوَ كَمَا يَكُونُ وَسِيلَةً لِمَا يَكُونُ وَسِيلَةً لِغَيْرِهَا كَالْمِلْكِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّطْهِيرُ هُنَا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الِاجْتِهَادَ فِيهِمَا لِيَشْرَبَ الْمَاءَ جَازَ لَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ: قِيلَ لَهُ الِاجْتِهَادُ هُنَا لِشُرْبِ مَاءٍ يَظُنُّ طَهَارَتَهُ، وَهُوَ غَفْلَةٌ عَمَّا يَأْتِي فِي نَحْوِ خَلٍّ وَخَمْرٍ وَلَبَنِ أَتَانٍ وَمَأْكُولٍ (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ) أَيْ فَيَجْتَهِدُ وَإِنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَيْ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ لَا بِالنَّظَرِ لِخُصُوصِ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ أَوْ الطَّاهِرُ (قَوْلُهُ: وَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ أَوْ لَا، وَمِنْ أَنْ يَكُونَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ لَا، فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ عَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَزَادَ بَعْضُهُمْ سِعَةَ الْوَقْتِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِجَوَازِ الِاجْتِهَادِ لَا لِصِحَّتِهِ (قَوْلُهُ:، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ) قَدْ يُشْكِلُ فِيمَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>