للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِاثْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ تَوَضَّأَ كُلٌّ بِإِنَائِهِ كَمَا لَوْ عَلَّقَ كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ بِكَوْنِ ذَا الطَّائِرِ غُرَابًا وَغَيْرَ غُرَابٍ فَإِنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَالْأَوْجَهُ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ خِلَافُهُ عَمَلًا بِإِطْلَاقِهِمْ كَمَا أَوْضَحْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ، وَاشْتِرَاطُ صَاحِبِ الْمُعَيَّنِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَيَقَّنُ طَهَارَتُهُ مِمَّا لَا يُخْشَى مِنْهُ ضَرَرٌ كَالْمُشْمِسِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوجٍ وَهُوَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ بِحَضْرَةِ الْمُشَمَّسِ فَيَكُونُ وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ، وَشَرْطُ الْعَمَلِ بِالِاجْتِهَادِ ظُهُورُ الْعَلَامَةِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ أَرَاقَ الْمَاءَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ ثُمَّ تَيَمَّمَ (وَقِيلَ إنْ قَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ بِيَقِينٍ) أَيْ طَهُورٍ آخَرَ (فَلَا) أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ بَلْ يَسْتَعْمِلُ الْمُتَيَقَّنَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» كَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ وَلَا حَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ وَلَكِنْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ، أَوْ كَانَ أَعْمَى أَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَائِلٌ حَادِثٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، وَكَمَا لَوْ وَجَدَ الْحَاكِمُ النَّصَّ، وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ وَحَمَلَ قَائِلُهُ الْحَدِيثَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ (وَالْأَعْمَى كَبَصِيرٍ فِي الْأَظْهَرِ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْوُقُوفِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ خِلَافُهُ) أَيْ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ إنَائِهِ إلَّا بَعْدَ الِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ وُجُودُهُ) أَيْ وُجُودُ الْمُشَمَّسِ كَالْعَدَمِ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مُذَكَّاةٌ بِمَسْمُومَةٍ لَمْ يَجْتَهِدْ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُدُولُ عَنْهُمَا إلَى غَيْرِهِمَا لِتَحَقُّقِ الضَّرَرِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِيمَا ذُكِرَ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: ظُهُورُ الْعَلَامَةِ) أَيْ فَهُوَ شَرْطٌ لِلْعَمَلِ لَا لِأَصْلِ الِاجْتِهَادِ خِلَافًا لِمَنْ عَدَّهُ مِنْ شُرُوطِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ) أَيْ أَوْ بَعْضِهِ (قَوْلُهُ: دَعْ مَا يَرِيبُك) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا فِيهِمَا اهـ نَوَوِيٌّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ.

وَقَضِيَّتُهُ تَسَاوِي الصِّيغَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى، وَلَكِنَّ عِبَارَةَ الْمِصْبَاحِ الرَّيْبُ الظَّنُّ وَالشَّكُّ، وَرَابَنِي الشَّيْءُ يَرِيبُنِي: إذَا جَعَلَك شَاكًّا قَالَ أَبُو زَيْدٍ: رَابَنِي مِنْ فُلَانٍ أَمْرٌ يَرِيبُنِي رَيْبًا: إذَا اسْتَيْقَنْت مِنْهُ الرِّيبَةَ، فَإِذَا أَسَأْت بِهِ الظَّنَّ وَلَمْ تَسْتَيْقِنْ مِنْهُ الرِّيبَةَ قُلْت: أَرَابَنِي مِنْهُ أَمْرٌ هُوَ فِيهِ إرَابَةٌ، وَأَرَابَ فُلَانٌ إرَابَةً فَهُوَ مُرِيبٌ: إذَا بَلَغَك عَنْهُ شَيْءٌ أَوْ تَوَهَّمْته، وَفِي لُغَةِ هُذَيْلٍ: أَرَابَنِي بِالْأَلِفِ فَرُبْت أَنَا وَارْتَبْت: إذَا شَكَكْت فَأَنَا مُرْتَابٌ وَزَيْدٌ مُرْتَابٌ مِنْهُ، فَالصِّلَةُ فَارِقَةٌ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، وَالِاسْمُ الرِّيبَةُ وَجَمْعُهَا رِيَبٌ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ اهـ.

وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُمَا لَيْسَا مُتَرَادِفَيْنِ وَإِنَّمَا اشْتَرَكَا فِي أَصْلِ الْمَعْنَى لَا فِي حَقِيقَتِهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَعْمَى كَبَصِيرٍ) لَوْ اُجْتُهِدَ فَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى طَهَارَةِ أَحَدِ الْإِنَاءَيْنِ لِظُهُورِ عَلَامَةٍ لَهُ فَأَخْبَرَهُ بَصِيرٌ بِخِلَافِهِ، فَهَلْ يُقَلِّدُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى إدْرَاكًا مِنْهُ لِتَمْيِيزِهِ بِالْبَصَرِ الَّذِي هُوَ الْعُمْدَةُ فِي الِاجْتِهَادِ أَوْ لَا أَخْذًا بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِمْ الْمُجْتَهِدُ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ اثْنَانِ مُخْتَلِفَانِ فِي إنَاءَيْنِ وَعَيْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا نَجَاسَةُ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِخَبَرِ الْأَوْثَقِ كَمَا يَأْتِي " فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَكْثَرُ عَدَدًا، لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الثَّانِي، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الشَّخْصَ لَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ غَيْرِهِ إذَا خَالَفَ ظَنَّهُ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ إلَى مَا يُخْبِرُ عَنْهُ مُسْتَنِدًا لِلْأَمَارَةِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

الطَّاهِرُ (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ الْمُتَيَقَّنُ طَهَارَتُهُ) لَعَلَّ مُرَادَهُ بِالْمُتَيَقَّنِ طَهَارَتُهُ مَا تَظْهَرُ لَهُ طَهَارَتُهُ بِالِاجْتِهَادِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمَاءَيْنِ مُتَشَمِّسًا، فَإِنَّ مَا يَظْهَرُ لَهُ طَهَارَتُهُ مِنْهُمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ جِهَةِ التَّشْمِيسِ عَلَى رَأْيِهِ فَلَا فَائِدَةَ لِلِاجْتِهَادِ، وَلَا يَصِحُّ تَصَوُّرُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْمُتَيَقَّنِ الطَّهَارَةِ مَاءً ثَالِثًا مُتَيَقَّنَ الطَّهَارَةِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا دَخْلَ لِتَشْمِيسِهِ أَوْ عَدَمِهِ فِي صِحَّةِ الِاجْتِهَادِ فِي الْمَاءَيْنِ الْمُشْتَبَهَيْنِ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْمُتَيَقَّنِ الطَّهَارَةِ أَحَدَ الْمَاءَيْنِ الْمُشْتَبَهَيْنِ فَإِنْ أَرَادَ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فَلَا مُتَيَقَّنَ طَهَارَةٍ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ، وَإِنْ أَرَادَ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ وَأَرَادَ بِالتَّيَقُّنِ الظَّنَّ أَيْ الْمَظْنُونَ الطَّهَارَةَ بِالِاجْتِهَادِ يُنَافِيهِ أَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الِاجْتِهَادِ وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَلَيْسَ مِنْ اللَّازِمِ أَنْ تَظْهَرَ طَهَارَةُ الْمُشَمَّسِ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يَلْتَزِمَ هَذَا الْأَخِيرَ بِتَقْدِيرٍ فِي كَلَامِهِ كَأَنْ يُقَالَ: وَشَرَطَ الْعَمَلَ بِالِاجْتِهَادِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ) رَاجِعٌ لِلتَّمْثِيلِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>