عَلَى الْمَقْصُودِ بِالشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَالسَّمْعِ وَاللَّمْسِ، وَيُفَارِقُ مَا سَيَأْتِي فِي الْقُبْلَةِ بِأَنَّ أَدِلَّتَهَا بَصَرِيَّةٌ بِخِلَافِ الْأَدِلَّةِ هُنَا. نَعَمْ لَوْ فَقَدَ الْأَعْمَى تِلْكَ الْحَوَاسِّ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ يَجِبُ الْجَزْمُ بِهِ وَهُوَ حَسَنٌ، وَالثَّانِي لَا يَجْتَهِدُ لِفَقْدِ الْبَصَرِ الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ الِاجْتِهَادِ بَلْ يُقَلِّدُ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ جَوَازِ الذَّوْقِ هُوَ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ، مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْخُوَارِزْمِيّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ مَنْ مَنَعَ الذَّوْقَ لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ مَمْنُوعٌ، إذْ مَحَلُّ حُرْمَةِ ذَوْقِهَا عِنْدَ تَحَقُّقِهَا وَيَحْصُلُ بِذَوْقِهِمَا وَهُنَا لَمْ نَتَحَقَّقْهَا، فَإِنْ تَحَيَّرَ الْأَعْمَى قَلَّدَ بَصِيرًا أَوْ أَعْمَى أَقْوَى إدْرَاكًا مِنْهُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَا يُرَدُّ ذَلِكَ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ أَنَّهُ كَالْبَصِيرِ فِيمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُقَلِّدُهُ أَوْ وَجَدَهُ فَتَحَيَّرَ تَيَمَّمَ
(أَوْ) اشْتَبَهَ عَلَيْهِ (مَاءٌ وَبَوْلٌ) أَوْ نَحْوُهُ انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ (لَمْ يَجْتَهِدْ) فِيهِمَا (عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يُقَوِّي مَا فِي النَّفْسِ مِنْ الطَّهَارَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْبَوْلُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الطَّهَارَةِ فَامْتَنَعَ الْعَمَلُ بِهِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِمُجَرَّدِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَقْرَبُ مَعْنَى الْأَوَّلِ، لَكِنَّ مُجَرَّدَ ظُهُورِ الْمَعْنَى لَا يَقْتَضِي الْعُدُولَ عَمَّا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ فَالْوَاجِبُ اعْتِمَادُهُ، وَكَمْ مِنْ مُوَضِّحٍ رَجَّحَ فِيهِ مَا غَيْرُهُ أَوْجَهُ مِنْهُ مَعْنًى فَيَكُونُ الرَّاجِحُ الثَّانِي (قَوْلُهُ: وَالْخُوَارِزْمِيّ) فِي مُعْجَمِ الْبَكْرِيِّ: خُوَارِزْمُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ وَالزَّاي الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مِيمٌ، قَالَ الْجُرْجَانِيُّ: مَعْنَى خُوَارِزْمَ هَيِّنٌ حَرْبُهَا؛ لِأَنَّهَا فِي سَهْلَةٍ لَا جَبَلَ بِهَا اهـ بِحُرُوفِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَيَحْصُلُ بِذَوْقِهِمَا) أَيْ التَّحَقُّقُ: أَيْ وَلَمْ نَأْمُرْهُ بِهِ فَإِنَّهُ إذَا ذَاقَ أَحَدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ ذَوْقُ الْآخِرِ، وَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُ سم فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَلَوْ ذَاقَ أَحَدُهُمَا فَهَلْ لَهُ ذَوْقُ الْآخَرِ، اعْتَمَدَ الطَّبَلَاوِيُّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ عِنْدَ ذَوْقِ كُلٍّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ الطَّاهِرُ وَاعْتَمَدَ م ر الْمَنْعَ اهـ.
أَقُولُ: فَلَوْ خَالَفَ وَذَاقَ الثَّانِيَ وَظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ الطَّاهِرُ عَمِلَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فَهُوَ مُتَحَيِّرٌ فَيَتَيَمَّمُ بَعْدَ تَلَفٍ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا، وَيَجِبُ غَسْلُ فَمِهِ لِتَحَقُّقِ نَجَاسَتِهِ، إمَّا مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ الثَّانِي، لَكِنْ بِتَقْدِيرِ كَوْنِ النَّجَاسَةِ مِنْ الْأَوَّلِ يَطْهُرُ بِمَا اسْتَعْمَلَهُ مِنْ الثَّانِي إنْ وَرَدَ مَوَارِدَ الْأَوَّلِ، وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا مِنْ الثَّانِي فَهُوَ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ فَقَدْ تَحَقَّقْنَا نَجَاسَةَ فَمِهِ وَشَكَكْنَا فِي مُزِيلِهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَبْلَ غَسْلِ فَمِهِ، وَلَوْ تَطَايَرَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى ثَوْبٍ لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَنَحْنُ لَا نُنَجِّسُ بِالشَّكِّ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا لَوْ عَلِمْنَا نَجَاسَةَ فَمِ الْهِرَّةِ ثُمَّ غَابَتْ زَمَنًا يُمْكِنُ طُهْرُ فَمِهَا فِيهِ بِوُلُوغِهَا فِي مَاءٍ كَثِيرٍ ثُمَّ وَضَعَتْ فَمَهَا فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ مَائِعٍ فَلَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ مَعَ الْحُكْمِ بِبَقَاءِ فَمِهَا عَلَى النَّجَاسَةِ، فَلَوْ اجْتَهَدَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى نَجَاسَتِهِ حُكِمَ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: فِيمَا يَظْهَرُ) أَيْ فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَأَتْلَفَ الْمَاءَيْنِ وَتَيَمَّمَ فَهَلْ تَجِبُ الْإِعَادَةُ لِتَقْصِيرِهِ بِإِتْلَافِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّقْلِيدِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَاءٌ حَالَ التَّيَمُّمِ فِيهِ نَظَرٌ وَقِيَاسُ مَا فِي التَّيَمُّمِ الثَّانِي.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَرِدُ ذَلِكَ) أَيْ تَقْلِيدُ الْأَعْمَى لِغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ وَالْأَعْمَى كَبَصِيرٍ إلَخْ، وَقَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ: أَيْ مِنْ أَنَّهُ إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الطَّاهِرُ بِغَيْرِهِ اجْتَهَدَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا تَحَيَّرَ لَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُقَلِّدُهُ) أَيْ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ لِلْجُمُعَةِ لَوْ أُقِيمَتْ فِيهِ، وَعِبَارَةُ حَجّ: وَيَظْهَرُ ضَبْطُ فَقْدِ الْمُقَلِّدِ بِأَنْ يَجِدَ مَشَقَّةً فِي الذَّهَابِ إلَيْهِ كَمَشَقَّةِ الذَّهَابِ إلَى الْجُمُعَةِ، فَإِنْ كَانَ بِمَحَلٍّ يَلْزَمُهُ قَصْدُهُ لَهَا لَوْ أُقِيمَتْ فِيهِ لَزِمَهُ قَصْدُهُ لِسُؤَالِهِ هُنَا وَإِلَّا فَلَا اهـ بِحُرُوفِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فَتَحَيَّرَ تَيَمَّمَ) أَيْ بَعْدَ تَلَفِ الْمَاءِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَهَلْ لَهُ إتْلَافُ الْمَاءِ قَبْلَ اجْتِهَادٍ مَنْ وَجَدَهُ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَنْ وَجَدَهُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ الطَّاهِرُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَثِمَ بِذَلِكَ
(قَوْلُهُ: أَوْ مَاءٌ وَبَوْلٌ لَمْ يَجْتَهِدْ فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ) أَيْ لِلطَّهَارَةِ، فَلَوْ اجْتَهَدَ لِلشُّرْبِ جَازَ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَيَحْصُلُ بِذَوْقِهِمَا) الضَّمِيرُ فِي يَحْصُلُ لِلتَّحَقُّقِ وَكَانَ حَقُّ الْعِبَارَةِ، وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِذَوْقِهِمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute