مُحَصِّلًا لِلْجَزْمِ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَزْمُ بِالنِّيَّةِ كَأَنْ يَأْخُذَ بِكَفِّهِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَبِالْأُخْرَى مِنْ الْآخَرِ وَيَغْسِلَ بِهِمَا خَدَّيْهِ مَعًا نَاوِيًا ثُمَّ يَعْكِسَ ثُمَّ يُتِمَّ وُضُوءَهُ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ بِالْآخَرِ، وَيَلْزَمُهُ حَيْثُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى طَهُورٍ بِيَقِينٍ التَّطَهُّرُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَوْ زَادَتْ قِيمَةُ مَاءِ الْوَرْدِ عَلَى قِيمَةِ مَاءِ الطَّهَارَةِ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لُزُومِ تَكْمِيلِ النَّاقِصِ إنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ عَلَى ثَمَنِ مَاءِ الطَّهَارَةِ بِأَنَّ الْخَلْطَ ثَمَّ يُذْهِبُ مَالِيَّتَهُ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَاءَ وَرْدٍ، وَهُنَا اسْتِعْمَالُهُ مُنْفَرِدًا لَا يُذْهِبُهَا بِالْكُلِّيَّةِ لِإِمْكَانِ تَحْصِيلِ غَسَّالَتِهِ، وَهَذَا أَوْلَى الْفُرُوقِ كَمَا أَوْضَحْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ.
ثُمَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَنْعِ الِاجْتِهَادِ فِي مَاءِ الْوَرْدِ مَحَلَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّطْهِيرِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلشُّرْبِ فَيَجُوزُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَهُ التَّطْهِيرُ بِالْآخَرِ لِلْحُكْمِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَاءٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطُّهْرِ أَنَّهُ يَسْتَدْعِي الطَّهُورِيَّةَ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ، وَالشُّرْبُ يَسْتَدْعِي الطَّاهِرِيَّةَ وَهُمَا طَاهِرَانِ، وَإِفْسَادُ الشَّاشِيِّ رُدَّ بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ فِيهِ لَكِنْ شَرِبَ مَاءَ الْوَرْدِ فِي ظَنِّهِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَاسْتِنْتَاجُ الْمَاوَرْدِيِّ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْآخَرِ لِلطُّهْرِ وَقَعَ تَبَعًا، وَقَدْ عُهِدَ امْتِنَاعُ الِاجْتِهَادِ لِلشَّيْءِ مَقْصُودًا وَيَسْتَفِيدُهُ تَبَعًا، كَمَا فِي امْتِنَاعِ الِاجْتِهَادِ لِلْوَطْءِ وَيَمْلِكُهُ تَبَعًا فِيهَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أَمَتُهُ بِأَمَةِ غَيْرِهِ وَاجْتَهَدَ فِيهِمَا لِلْمِلْكِ فَإِنَّهُ يَطَؤُهَا بَعْدَهُ لِحِلِّ تَصَرُّفِهِ فِيهَا، وَلِكَوْنِهِ يُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَتْبُوعِ، وَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ مَجِيءِ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ فِي الْمَاءِ وَالْبَوْلِ بَعِيدٌ، إذْ كَلَامُهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ لَهُ الِاجْتِهَادَ لِيَشْرَبَ مَاءَ الْوَرْدِ ثُمَّ يَتَطَهَّرُ بِالْآخَرِ وَهَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ هُنَا، وَأَيْضًا فَكُلٌّ مِنْ الْمَاءَيْنِ لَهُ أَصْلٌ فِي أَصْلٍ فِي الْمَطْلُوبِ وَهُوَ الشُّرْبُ، فَجَازَ الِاجْتِهَادُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِيمَا لَوْ وَجَدَ مَاءً وَمَاءَ وَرْدٍ فَلَا يُقَالُ هَذَا تَعْلِيلٌ بِصُورَةِ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَعْكِسُ) لَا يَتَوَقَّفُ انْدِفَاعُ الضَّرُورَةِ عَلَى الْعَكْسِ، بَلْ لَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ بِكَمَالِهِ بَعْدَ الْغَسْلَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ كُلِّ إنَاءٍ مِنْهُمَا مَرَّةً صَحَّ مَعَ تَقَدُّمِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ غَايَتُهُ أَنَّ فِيهِ تَكْرَارًا لِمَا غَسَلَهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَهُوَ لَا يُنَافِي الْجَزْمَ بِالنِّيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ زَادَتْ قِيمَةُ مَاءِ الْوَرْدِ) قَدْ يَشْكُلُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا زَادَتْ أُجْرَةُ إذَابَةِ ثَلْجٍ تَعَيَّنَ اسْتِعْمَالُهُ، أَوْ مِلْحٍ مَائِيٍّ عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ لَمْ تَجِبْ إذَابَتُهُ، وَيَعْدِلُ لِلتَّيَمُّمِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَا يَسْتَعْمِلُهُ هُنَا حَاصِلٌ بِصُورَتِهِ فَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ تَفْوِيتُ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ارْتَفَعَتْ قِيمَةُ الْمَاءِ وَهُوَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ وَلَا نَظَرَ إلَى ارْتِفَاعِ سِعْرِهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمِلْحِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى بَذْلِ مَالٍ زَائِدٍ عَلَى مَا يُرِيدُ اسْتِعْمَالَهُ وَذَلِكَ يُعَدُّ غَبْنًا (قَوْلُهُ: وَإِفْسَادُ الشَّاشِيِّ) أَيْ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلِاجْتِهَادِ لِلشُّرْبِ لِجَوَازِ شُرْبِ مَاءِ الْوَرْدِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الطَّهُورِ، فَلَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِلَا اجْتِهَادِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ: فِي ظَنِّهِ) أَيْ مُرِيدِ الشُّرْبِ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ جَوَّزْنَا لَهُ الِاجْتِهَادَ (قَوْلُهُ فِي الْمَاءِ وَالْبَوْلِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ فِيهِمَا لِلشُّرْبِ ثُمَّ يَتَطَهَّرُ مِنْهُمَا بِمَا ظُنَّ طَهَارَتُهُ تَبَعًا (قَوْلُهُ وَهَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ هُنَا) فِيهِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الِاجْتِهَادُ
[حاشية الرشيدي]
تَحْصِيلِ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ وَاسْتِعْمَالِ الطَّهُورِ بِيَقِينٍ (قَوْلُهُ: أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلشُّرْبِ) أَيْ لِشُرْبِ مَاءِ الْوَرْدِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَأَلْحَقَ بِهِ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ الْمَاءَ (قَوْلُهُ: وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الطَّهُورِيَّةِ يَمْنَعُ الِاجْتِهَادَ مَعَ أَنَّهُ صُورَةُ مَا فِيهِ الِاجْتِهَادُ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكَلَامِ عَلَى الِاجْتِهَادِ، وَأَيُّ فَائِدَةٍ لِلِاجْتِهَادِ بَيْنَ طَهُورَيْنِ (قَوْلُهُ: وَإِفْسَادُ الشَّاشِيِّ) أَيْ بِأَنَّ الشُّرْبَ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّحَرِّي كَمَا عُلِمَ مِنْ رَدِّهِ (قَوْلُهُ: إذْ كَلَامُهُ يُشِيرُ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاجْتِهَادُ لِيَشْرَبَ الْمَاءَ، وَصَرَّحَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ بِخِلَافِهِ، وَانْظُرْ مَا الْمَانِعُ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ الَّتِي قَاسَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: لَهُ أَصْلٌ فِي الْحَلِّ الْمَطْلُوبِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ اجْتَهَدَ فِي مَسْأَلَةِ الْبَوْلِ لِيَتَدَاوَى بِالْبَوْلِ جَازَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute