فَأَجَابَ عَنْهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ مَا صَلَّاهُ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ لَمْ يَنْوِ بِهِ الْكُسُوفَ، فَإِنَّ وَقَائِعَ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبُ الْإِجْمَالِ وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال. نَعَمْ لَوْ صَلَّاهَا وَحْدَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهَا مَعَ الْإِمَامِ صَلَّاهَا كَمَا فِي الْمَكْتُوبَةِ، نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إدْرَاكِهِ قَبْلَ الِانْجِلَاءِ وَإِدْرَاكِهِ بَعْدَهُ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْأَوَّلَ وَإِلَّا فَهُوَ افْتِتَاحُ صَلَاةِ كُسُوفٍ بَعْدَ الِانْجِلَاءِ.
قَالَ: وَهَلْ يُعِيدُ الْمُصَلِّي جَمَاعَةً مَعَ جَمَاعَةٍ يُدْرِكُهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ اهـ.
وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يُعِيدُهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الْمُنْفَرِدِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ وَجَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ، ثُمَّ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ تَجْوِيزَ الزِّيَادَةِ لِأَجْلِ تَمَادِي الْكُسُوفِ إنَّمَا يَأْتِي فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، أَمَّا الْأُولَى فَكَيْفَ يُعْلَمُ فِيهَا التَّمَادِي بَعْدَ فَرَاغِ الرُّكُوعَيْنِ، رُدَّ بِأَنَّهُ قَدْ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَذَا الْفَنِّ وَاقْتَضَى حِسَابَهُ ذَلِكَ (وَالْأَكْمَلُ) فِي فِعْلِهَا (أَنْ يَقْرَأَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا (بَعْدَ الْفَاتِحَةِ) وَمَا قَبْلَهَا مِنْ افْتِتَاحٍ وَتَعَوُّذٍ (الْبَقَرَةَ) بِكَمَالِهَا إنْ أَحْسَنَهَا وَإِلَّا فَقَدْرُهَا، وَفِي كَلَامِهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ أَنْ يُقَالَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ اخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُقَالَ السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ (وَ) أَنْ يَقْرَأَ (فِي) الْقِيَامِ (الثَّانِي كَمِائَتَيْ آيَةٍ مِنْهَا) مُعْتَدِلَةٍ (وَ) فِي الْقِيَامِ (الثَّالِثِ) مِثْلِ (مِائَةٍ وَخَمْسِينَ) مِنْهَا (وَ) فِي الْقِيَامِ (الرَّابِعِ) مِثْلِ (مِائَةٍ) مِنْهَا (تَقْرِيبًا) وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ، فَقَدْ نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ آلَ عِمْرَانَ، أَوْ قَدْرَهَا إنْ لَمْ يُحْسِنْهَا، وَفِي الثَّالِثِ النِّسَاءَ أَوْ قَدْرَهَا إنْ لَمْ يُحْسِنْهَا، وَفِي الرَّابِعِ الْمَائِدَةَ، أَوْ قَدْرَهَا إنْ لَمْ يُحْسِنْهَا.
وَمَا نَظَرَ بِهِ فِيمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ النَّصَّ الْأَوَّلَ فِيهِ تَطْوِيلُ الثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ وَهُوَ الْأَصْلُ، إذْ الثَّانِي فِيهِ مِائَتَانِ وَفِي الثَّالِثِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ، وَالنَّصُّ الثَّانِي فِيهِ تَطْوِيلُ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي، إذْ النِّسَاءُ أَطْوَلُ مِنْ آلِ عِمْرَانَ، وَبَيْنَ النَّصَّيْنِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ تَفَاوُتٌ كَبِيرٌ يُرَدُّ بِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ مَجْمُوعِ النَّصَّيْنِ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ تَطْوِيلِ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي وَنَقْصِهِ عَنْهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ السُّبْكِيّ ثَبَتَ بِالْأَخْبَارِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كَسَاهَا ثَوْبَ الْإِجْمَالِ) أَيْ صَيَّرَهَا مُجْمَلَةً وَهُوَ لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْأَوَّلَ) هُوَ قَوْلُهُ إدْرَاكُهُ قَبْلَ الِانْجِلَاءِ.
(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ) هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ كَمَا فِي الْمَكْتُوبَةِ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يُعِيدُهَا) وَيَظْهَرُ مَجِيءُ شُرُوطِ الْمُعَادَةِ هُنَا، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ انْجَلَتْ وَهُمْ فِي الْمُعَادَةِ أَتَمُّوهَا مُعَادَةً كَمَا لَوْ انْجَلَتْ وَهُمْ فِي الْأَصْلِيَّةِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِي إعَادَةِ الْمَكْتُوبَةِ حَيْثُ قِيلَ بِالْبُطْلَانِ بِأَنَّهُ فِي الْمَكْتُوبَةِ يُنْسَبُ لِتَقْصِيرٍ حَيْثُ شَرَعَ فِيهَا فِي وَقْتٍ لَا يَسَعُهَا أَوْ يَسَعُهَا وَطَوَّلَ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ الِانْجِلَاءَ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى مَعْرِفَتِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ عُلَمَاءِ الْهَيْئَةِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَا يُعَوِّلُونَ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: إنَّمَا يَأْتِي فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ) أَيْ بَلْ قَدْ يُقَالُ بِعَدَمِ تَأَتِّيه فِي الثَّانِيَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ تَحَقُّقَ التَّمَادِي إنَّمَا يَكُونُ بِالسَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ تَنْجَلِ بَعْدَ الرُّكُوعِ الثَّانِي جَازَ أَنْ تَنْجَلِيَ فِي السُّجُودِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُخَصِّصْ حَجّ الْإِشْكَالَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ الرُّكُوعَيْنِ، لَكِنَّهُ عَبَّرَ بِمَا يَقْتَضِي تَأَتِّيه فِي النُّقْصَانِ حَيْثُ قَالَ: وَصُورَةُ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ عَلَى الْمُقَابِلِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْحِسَابِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ اهـ. وَلَا حَاجَةَ لِلتَّصْوِيرِ بِذَلِكَ فِي النَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عِنْدَ الِانْجِلَاءِ وَهُوَ مُشَاهَدٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْحِسَابِ (قَوْلُهُ: إنْ أَحْسَنَهَا) أَيْ فَإِنْ قَرَأَ قَدْرَهَا مَعَ إحْسَانِهَا كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ: أَنْ يُقَالَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) يُتَأَمَّلُ مِنْ وَجْهِ الدَّلَالَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ سُورَةٍ، وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُهُ فِي نَحْوِ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنْ يُقَالَ الْبَقَرَةُ مَثَلًا بِلَا ذِكْرِ السُّورَةِ أَصْلًا خِلَافًا لِمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ
[حاشية الرشيدي]
عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ تَجْوِيزَ الزِّيَادَةِ لِأَجْلِ تَمَادِي الْكُسُوفِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ أَنْ يُقَالَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يُقَالَ الْبَقَرَةُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ السُّورَةِ مَعَ أَنَّ هُنَاكَ مَنْ يُوجِبُ إضَافَةَ سُورَةٍ إلَيْهَا كَمَا مَرَّ فِي الشَّارِحِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ فَجَوَازُهُ مَعَ ذِكْرِ السُّورَةِ أَوْلَى، وَالْقَصْدُ إنَّمَا هُوَ الرَّدُّ عَلَى الْبَعْضِ الْمَذْكُورِ فِي اخْتِيَارِهِ مَا ذَكَرَهُ بَعْدُ، فَلَا فَرْقَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ بَيْنَ إضَافَةِ سُورَةٍ إلَيْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute