يَقْتَضِي التَّعَدِّيَ إلَى كُلِّ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ مِنْ صَدَقَةٍ وَغَيْرِهَا، قَالَ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ: وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ.
وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَقَدْ صَرَّحَ بِالتَّعَدِّي الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ قِتَالِ الْبُغَاةِ، وَعَلَى هَذَا فَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْمُتَوَجَّهَ عَلَيْهِ وُجُوبُ الصَّدَقَةِ بِالْأَمْرِ الْمَذْكُورِ مَنْ يُخَاطَبُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، فَمَنْ فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ مِمَّا يُعْتَبَرُ، ثُمَّ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِأَقَلَّ مُتَمَوِّلٍ، هَذَا إنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْإِمَامُ قَدْرًا، فَإِنْ عَيَّنَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ فَالْأَنْسَبُ بِعُمُومِ كَلَامِهِمْ لُزُومُ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ لَكِنْ يَظْهَرُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا فَضَلَ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ عَنْ كِفَايَةِ الْعُمُرِ الْغَالِبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْمُعَيَّنُ يُقَارِبُ الْوَاجِبَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ قُدِّرَ بِهَا، أَوْ فِي أَحَدِ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ قُدِّرَ بِهِ وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ، وَأَمَّا الْعِتْقُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِالْحَجِّ وَالْكَفَّارَةِ فَحَيْثُ لَزِمَهُ بَيْعُهُ فِي أَحَدِهِمَا لَزِمَهُ عِتْقُهُ إذَا أَمَرَ بِهِ الْإِمَامُ (وَالتَّوْبَةُ) بِالْإِقْلَاعِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالنَّدَمِ عَلَيْهَا وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ إلَيْهَا (وَالتَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِوُجُوبِ الْبِرِّ) مِنْ عِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ، قَالَ تَعَالَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَا قَرَّرَهُ السَّابِقَ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ بِمُبَاحٍ وَجَبَ، وَارْتَضَاهُ م ر وَفِي وَقْتٍ آخَرَ قَالَ: لَا يَجِبُ فِي الْمُبَاحِ، فَقُلْت لَهُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ، فَوَافَقَ وَمَشَى عَلَى أَنَّهُ إذَا أَمَرَ بِالْخُرُوجِ إلَى الصَّحْرَاءِ لِلِاسْتِسْقَاءِ وَجَبَ اهـ. وَفِي حَجّ أَنَّهُ إنْ أَمَرَ بِمُبَاحٍ وَجَبَ ظَاهِرًا أَوْ بِمَنْدُوبٍ أَوْ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ وَجَبَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا اهـ. وَخَرَجَ بِالْمُبَاحِ الْمَكْرُوهِ كَأَنْ أَمَرَ بِتَرْكِ رَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ فَلَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا مَا لَمْ يَخْشَ الْفِتْنَةَ. وَنُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ فَتَاوَى الشَّارِحِ مَا يُوَافِقُهُ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ) أَيْ الْإِسْنَوِيُّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ التَّعَدِّي (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا) هُوَ قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: مَنْ يُخَاطَبُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الْآتِي لَهُ (قَوْلُهُ: لُزُومُ ذَلِكَ) أَيْ الصَّدَقَةِ أَوْ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ لَكِنْ يَظْهَرُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إلَخْ) نُقِلَ عَنْ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ الشَّارِحِ مَا نَصُّهُ: وَقَالَ م ر: يَنْبَغِي فِي نَحْوِ الصِّدْقِ وَالْعِتْقِ أَنَّهُ يَجِبُ أَقَلُّ مَا يَنْطِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ بِشَرْطِ فَضْلِهِ عَمَّا يَحْتَاجُهُ فِي الْفِطْرِ، وَأَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ الْإِمَامُ زَائِدًا لَغَا التَّعْيِينُ وَوَجَبَ الْأَقَلُّ الْمَذْكُورُ اهـ. وَبَقِيَ مَا لَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ بِالصَّدَقَةِ وَكَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَأَخْرَجَهَا بِقَصْدِ الْكَفَّارَةِ هَلْ يُجْزِيهِ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ بِأَنَّ الصَّوْمَ عَنْ الْكَفَّارَةِ أَوْ النَّذْرِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَافَقَ خُصُوصَ مَا أَمَرَ بِهِ الْإِمَامُ فَسُومِحَ فِيهِ، بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ بِالْمَنْذُورِ فَإِنَّهُ وَإِنْ وَجَدَ فِيهِ مُسَمَّى الصَّدَقَةِ لَكِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِخُصُوصِهِ أَمْرُ الْإِمَامِ، عَلَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ لَفْظِ الصَّدَقَةِ الصَّدَقَةُ الْمَنْدُوبَةُ، وَأَنَّ إطْلَاقَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْوَاجِبَةِ تَجُوزُ، فَأَمْرُ الْإِمَامِ مَصْرُوفٌ لِغَيْرِ الْمَنْذُورَةِ وَنَحْوِهَا، وَبَقِيَ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ بِدِينَارٍ مَثَلًا وَكَانَ لَا يَمْلِكُ إلَّا نِصْفَهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الدِّينَارِ بِخُصُوصِهِ مَطْلُوبٌ فِي ضِمْنِ كُلِّهِ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي أَحَدِ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ) يَشْمَلُ الْإِطْعَامَ وَالْكِسْوَةَ، وَعِبَارَةُ حَجّ إنَّمَا يُخَاطَبُ بِهِ: أَيْ مَا أَمَرَ بِهِ الْمُوسِرُونَ بِمَا يُوجِبُ الْعِتْقَ فِي الْكَفَّارَةِ وَبِمَا يَفْضُلُ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي الصَّدَقَةِ اهـ. وَهَذَا يَقْرُبُ مِنْ الِاحْتِمَالِ الثَّانِي الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ أَوْ فِي أَحَدِ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ: أَيْ غَيْرِ الْعِتْقِ لِمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَأَمَّا الْعِتْقُ إلَخْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَبْقَى قَوْلُهُ أَحَدَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ عَلَى عُمُومِهِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ أَمَّا الْعِتْقُ عَلَى مَا لَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ بِإِعْتَاقِ مُعَيَّنٍ مِنْ أَرِقَّائِهِ فَيُقَالُ: إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ بِخُصُوصِهِ لِزَمَانَةٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا لَا يَجِبُ إعْتَاقُهُ وَإِلَّا وَجَبَ (قَوْلُهُ: قُدِّرَ بِهِ) أَيْ الْعُمُرُ الْغَالِبُ، وَقَوْلُهُ لَمْ تَجِبْ: أَيْ مُوَافَقَتُهُ، وَقَوْلُهُ وَأَمَّا الْعِتْقُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ إلَخْ الْمُتَبَادَرُ مِنْ جَعْلِ هَذَا احْتِمَالًا لَا مُجَرَّدًا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَهُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ لَكِنْ يَظْهَرُ تَقْيِيدُهُ إلَخْ.
[فَرْعٌ] هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ إجْزَاؤُهُ فِي الْكَفَّارَةِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُسَمَّى الْمَأْمُورِ بِهِ (قَوْلُهُ: بِالْإِقْلَاعِ عَنْ الْمَعَاصِي) وَمِنْهُ رَدُّ الْمَظَالِمِ إلَى أَهْلِهَا، وَقَوْلُهُ إلَيْهَا: أَيْ إلَى مِثْلِهَا
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute