للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ (وَ) فِي (تَخَشُّعٍ) أَيْ تَذَلُّلٍ مَعَ سُكُونِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ فِي مَشْيِهِمْ وَجُلُوسِهِمْ وَكَلَامِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ تَخَشُّعٍ مَعْطُوفٌ عَلَى ثِيَابٍ لَا عَلَى بِذْلَةٍ كَمَا قِيلَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِصِفَتِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَالْمَقْصُودَةُ الَّتِي ثِيَابُ الْبِذْلَةِ وَصْلَةٌ لَهَا، وَقَدْ يُقَالُ بِصِحَّةِ عَطْفِهِ عَلَى بِذْلَةٍ أَيْضًا إذْ ثِيَابُ التَّخَشُّعِ غَيْرُ ثِيَابِ الْكِبْرِ وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ لِنَحْوِ طُولِ أَكْمَامِهَا وَأَذْيَالِهَا وَإِنْ كَانَتْ ثِيَابَ عَمَلٍ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا أُمِرُوا بِإِظْهَارِ التَّخَشُّعِ فِي مَلْبُوسِهِمْ فَفِي ذَوَاتِهِمْ مِنْ بَابِ أَوْلَى. وَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ الْخُرُوجُ مِنْ طَرِيقِ الرُّجُوعِ فِي أُخْرَى مُشَاةً فِي ذَهَابِهِمْ إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِمْ لَا حُفَاةً مَكْشُوفِي الرَّأْسِ، وَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي: لَوْ خَرَجَ أَيْ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ حَافِيًا مَكْشُوفَ الرَّأْسِ لَمْ يُكْرَهْ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ التَّوَاضُعِ بَعِيدٌ كَمَا قَالَهُ الشَّاشِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ.

(وَيُخْرِجُونَ) مَعَهُمْ اسْتِحْبَابًا (الصِّبْيَانَ وَالشُّيُوخَ) وَالْعَجَائِزَ وَالْخُنْثَى الْقَبِيحَ الْمَنْظَرِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ، إذْ الشَّيْخُ أَرَقُّ قَلْبًا وَالصَّبِيُّ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ، وَصَحَّ «هَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ» وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّ الْمُؤْنَةَ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي حَمْلِ الصِّبْيَانِ تُحْسَبُ مِنْ مَالِهِمْ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُنْدَبُ إخْرَاجُ الْأَرِقَّاءِ بِإِذْنِ سَادَاتِهِمْ (وَكَذَا الْبَهَائِمُ) يُسَنُّ إخْرَاجُهَا (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا قَالَاهُ، وَإِنْ نَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ كَرَاهَتَهُ عَنْ النَّصِّ وَالْأَصْحَابِ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَرَجَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَسْتَسْقِي بِقَوْمِهِ، فَإِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ بَعْضَ قَوَائِمِهَا إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: ارْجِعُوا فَقَدْ اُسْتُجِيبَ لَكُمْ مِنْ أَجْلِ شَأْنِ هَذِهِ النَّمْلَةِ» وَفِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ هُوَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَتَأَذَّى) أَيْ وَمَعَ حُصُولِ التَّأَذِّي لَا يَحْرُمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ يَحْتَمِلُ سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (قَوْلُهُ: لَا حُفَاةً) أَيْ لَا يُسَنُّ بَلْ يُكْرَهُ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ بَعِيدٌ إلَخْ، وَحَيْثُ كَانَ مَكْرُوهًا أَسْقَطَ الْمُرُوءَةَ حَيْثُ لَمْ يَلْقَ بِمِثْلِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَهُ الشَّاشِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ) عِبَارَةُ حَجّ اسْتَبْعَدَهُ الشَّاشِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَيَخْرُجُونَ الصِّبْيَانُ وَالشُّيُوخُ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى صِبْيَانِ الْكُفَّارِ (قَوْلُهُ: وَالْعَجَائِزُ وَالْخُنْثَى) نَصَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ عَدَمُ خُرُوجِهِمَا لِلْأُنُوثَةِ الْمُحَقَّقَةِ فِي الْعَجَائِزِ وَالْمُحْتَمَلَةِ فِي الْخَنَاثَى (قَوْلُهُ: هَلْ تُرْزَقُونَ) هُوَ فِي مَعْنَى النَّفْيِ: أَيْ لَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَخْ (قَوْلُهُ: تُحْسَبُ مِنْ مَالِهِمْ) أَيْ؛ لِأَنَّ لَهُمْ مَصْلَحَةً فِي ذَلِكَ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَمَا فِي الْحَجِّ أَنَّ هَذِهِ حَاجَةٌ نَاجِزَةٌ، بِخِلَافِ تِلْكَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ هَلْ يُخْرِجُونَ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ مِنْهُ الْأُمُورُ الضَّرُورِيَّةُ وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُمْ بِغَيْرِهِمْ قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ بَعْدَ مَا ذَكَرَ: وَلَوْ خَرَجَتْ الزَّوْجَةُ لِلِاسْتِسْقَاءِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَهِيَ مَعَهُ فَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ نَفَقَتِهَا. أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ، أَوْ بِإِذْنِهِ وَهِيَ وَحْدَهَا فَهَلْ يُعَدُّ ذَلِكَ خُرُوجًا لِحَاجَتِهِمَا كَمَا قَدْ يُفْهِمُهُ كَلَامٌ الْإِسْنَوِيِّ الْمَذْكُورِ حَتَّى تَجِبُ نَفَقَتُهَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الِاسْتِسْقَاءِ لَا تَخُصُّ الزَّوْجَ وَلَمْ نَنْدُبْهَا لَهَا وَلَا احْتِيَاجَ إلَيْهَا فِي تَحْصِيلِهَا وَغَيْرُهَا يَقُومُ بِذَلِكَ وَلَا تُعَدُّ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا فِي حَاجَةِ الزَّوْجِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْقَلْبُ إلَى الثَّانِي أَمْيَلُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا خَرَجَتْ لِغَرَضِهَا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ قَدْ يَعُودُ عَلَى الزَّوْجِ نَفْعٌ بِوَاسِطَةِ زَوْجِهَا لَكِنَّهُ لَمْ يَبْعَثْهَا إلَيْهِ وَلَا طَلَبَهُ مِنْهَا وَأَمَّا مُؤْنَةُ خُرُوجِهَا الزَّاهِدَةُ عَلَى نَفَقَةِ التَّخَلُّفِ، فَأَوْلَى بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ) خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْبَهَائِمُ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: لَوْ تَرَكُوا الْخُرُوجَ فَهَلْ يُسَنُّ إخْرَاجُ الْبَهَائِمِ وَحْدَهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَطْلُبُ وَيُسْتَجَابُ لَهَا أَخْذًا مِنْ قَضِيَّةِ النَّمْلَةِ؟ قَدْ يُتَّجَهُ عَدَمُ سَنِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا إنَّمَا هُوَ بِالتَّبَعِ، وَلَا دَلَالَةَ فِي قَضِيَّةِ النَّمْلَةِ إذْ لَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ أَخْرَجَهَا، وَإِنَّمَا فِيهَا الْإِخْبَارُ عَنْ أَمْرٍ وَقَعَ اتِّفَاقًا، وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْبَهَائِمِ مَا يَشْمَلُ نَحْوَ الْكِلَابِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الشُّمُولُ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَرْزِقَةٌ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ فَهَلْ الْعَقُورُ مِنْهَا كَذَلِكَ، وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ كَذَلِكَ حَيْثُ تَأَخَّرَ قَتْلُهُ لِأَمْرٍ اقْتَضَاهُ كَأَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِهِ وَتَزَوُّدِهِ لِيَأْكُلَهُ طَرِيًّا فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ: فَإِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ بَعْضَ قَوَائِمِهَا) قَالَ الدَّمِيرِيِّ: اسْمُهَا عَيْجَلُونُ اهـ. وَبِبَعْضِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>