هَذَا أَنَّهُمْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا كُفَّارٌ، وَفِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ مُسْلِمُونَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ الْإِمَامُ عَلَى أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُمْ فِي غَيْرِ يَوْمِ خُرُوجِنَا لِئَلَّا تَقَعَ الْمُسَاوَاةُ وَالْمُضَاهَاةُ فِي ذَلِكَ اهـ.
لَا يُقَالُ: فِي خُرُوجِهِمْ وَحْدَهُمْ مَظِنَّةُ مَفْسَدَةٍ وَهُوَ مُصَادَفَةُ يَوْمِ الْإِجَابَةِ فَيَظُنُّ ضُعَفَاءُ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ خَيْرًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: فِي خُرُوجِهِمْ مَعَنَا مَفْسَدَةٌ مُحَقَّقَةٌ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ. قَالَ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ. .
(وَهِيَ رَكْعَتَانِ) لِلِاتِّبَاعِ (كَالْعِيدِ) أَيْ كَصَلَاتِهِ فِي الْأَرْكَانِ وَغَيْرِهَا إلَّا فِيمَا يَأْتِي فَيُكَبِّرُ بَعْدَ افْتِتَاحِهِ قَبْلَ التَّعَوُّذِ وَالْقِرَاءَةِ سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقِفُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ كَآيَةٍ مُعْتَدِلَةٍ، وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَى جَهْرًا بِسُورَةِ ق وَفِي الثَّانِيَةِ اقْتَرَبَتْ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ بِسَبِّحْ وَالْغَاشِيَةِ قِيَاسًا وَلِوُرُودِهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ (لَكِنْ) تَجُوزُ زِيَادَتُهَا عَلَى رَكْعَتَيْنِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِهِ بِمَا لَفْظُهُ مَا مُحَصِّلُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْأَطْفَالِ هَلْ هُمْ فِي الْجَنَّةِ خُدَّامٌ لِأَهْلِهَا ذُكُورًا وَإِنَاثًا، وَهَلْ تَتَفَاضَلُ دَرَجَاتُهُمْ فِي الْجَنَّةِ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: أَمَّا أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ فَفِي الْجَنَّةِ قَطْعًا بَلْ إجْمَاعًا، وَالْخِلَافُ فِيهِ شَاذٌّ بَلْ غَلَطٌ.
وَأَمَّا أَطْفَالُ الْكُفَّارِ فَفِيهِمْ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَعَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: ١٥] وَقَوْلُهُ {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] إلَخْ. الثَّانِي أَنَّهُمْ فِي النَّارِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ، وَنَسَبَهُ النَّوَوِيُّ لِلْأَكْثَرِينَ لَكِنَّهُ نُوزِعَ إلَخْ. الثَّالِثُ الْوُقُوفُ، وَيُعَبِّرُ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ إلَخْ. الرَّابِعُ أَنَّهُمْ يُجْمَعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتُؤَجَّجُ لَهُمْ نَارٌ يُقَالُ اُدْخُلُوهَا، فَيَدْخُلَهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ سَعِيدًا وَيُمْسِكُ عَنْهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ شَقِيًّا لَوْ أَدْرَكَ الْعَمَلَ إلَخْ اهـ. مُلَخَّصًا. وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ عَنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ هَلْ يُعَذَّبُونَ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ، وَهَلْ وَرَدَ أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ فِي قُبُورِهِمْ وَأَنَّ الْقَبْرَ يَضُمُّهُمْ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِذَلِكَ فَهَلْ يَتَأَلَّمُونَ بِهِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ قَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ يُعَذَّبُونَ مُصِيبٌ فِيهِ أَمْ مُخْطِئٌ، وَمَا الْحُكْمُ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ هَلْ هُمْ خَدَمٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ أَمْ هُمْ فِي النَّارِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ لَا يُعَذَّبُونَ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَعَاصِي، إذْ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِمْ، وَالْعَذَابُ عَلَى ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْمُكَلَّفِينَ، وَلَا يُسْأَلُونَ فِي قُبُورِهِمْ كَمَا عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَأَفْتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْحَافِظُ حَجّ وَلِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ قَوْلُ إنَّ الطِّفْلَ يُسْأَلُ، وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا لَا يَصِحُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَّنَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ، وَلَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ عَلَى الطِّفْلِ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ مَا فِيهِ عُقُوبَةٌ وَلَا السُّؤَالُ، بَلْ مُجَرَّدُ أَلَمِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالْوَحْشَةِ وَالضَّغْطَةِ الَّتِي تَعُمُّ الْأَطْفَالَ وَغَيْرَهُمْ. وَأَخْرَجَ عَلِيُّ بْنُ مَعِينٍ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كُنْت عِنْدَ عَائِشَةَ فَمَرَّتْ جِنَازَةُ صَبِيٍّ صَغِيرٍ فَبَكَتْ، فَقُلْت لَهَا: مَا يُبْكِيك؟ قَالَتْ: هَذَا الصَّبِيُّ بَكَيْت شَفَقَةً عَلَيْهِ مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ. وَالْقَائِلُ الْمَذْكُورُ إنْ أَرَادَ بِيُعَذَّبُونَ بِالنَّارِ أَوْ عَلَى الْمَعَاصِي فَغَيْرُ مُصِيبٍ بَلْ هُوَ مُخْطِئٌ أَشَدَّ الْخَطَأِ لِمَا تَقَرَّرَ، وَأَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ عَلَى نَحْوِ عَشَرَةِ أَقْوَالٍ، الرَّاجِحُ مِنْهَا أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ خَدَمٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ. وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ الْأَطْفَالِ فِي النَّارِ، فَأَجَابَ بِأَنَّ الْأَطْفَالَ فِي الْجَنَّةِ وَلَوْ أَطْفَالَ كُفَّارٍ عَلَى الصَّحِيحِ. نَعَمْ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ خَلْقًا وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ وَخَلْقًا يُدْخِلُهُمْ النَّارَ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ اهـ بِحُرُوفِهِ، وَالْعَشَرَةُ أَقْوَالٍ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا سَرَدَهَا فِي فَتْحِ الْبَارِّي فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَنْبَغِي) أَيْ يَجِبُ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ لِئَلَّا إلَخْ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا تَقَعَ الْمُسَاوَاةُ) خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَيَقِفُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ إلَخْ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بَيْنَهُمَا مَا يَقُولُهُ فِي الْعِيدِ، وَقَدْ يَشْمَلُهُ قَوْلُهُ فِي الْأَرْكَانِ وَغَيْرِهَا. . إلَخْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ تَجُوزُ زِيَادَتُهَا) وَهَلْ إذَا زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ فِي الْجَمِيعِ أَوْ يَفْصِلُ بَيْنَ أَنْ يَتَشَهَّدَ تَشَهُّدًا أَوَّلَ فَيُسِرُّ بَعْدَهُ أَمْ لَا فَيَجْهَرُ مُطْلَقًا. وَهَلْ الزِّيَادَةُ تَشْمَلُ الرَّكْعَةَ، وَهَلْ إذَا أَمَرَ الْإِمَامُ بِهَا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ تَجِبُ كَذَلِكَ وَيَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute