وَيَكُونُ عَلَيْهِ مُسْتَلْقِيًا كَاسْتِلْقَاءِ الْمُحْتَضَرِ لِكَوْنِهِ أَمْكَنَ لِغُسْلِهِ (وَيُغَسَّلُ) نَدْبًا (فِي قَمِيصٍ) لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ «وَقَدْ غُسِّلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَمِيصٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَذَلِكَ «لَمَّا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي غُسْلِهِ هَلْ نُجَرِّدُهُ أَمْ نُغَسِّلُهُ فِي ثِيَابِهِ فَغَشِيَهُمْ النُّعَاسُ وَسَمِعُوا هَاتِفًا يَقُولُ: لَا تُجَرِّدُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي رِوَايَةٍ: غَسِّلُوهُ فِي قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ» ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بِالْبَاءِ: أَيْ سَخِيفًا بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْقَوِيَّ يَحْبِسُ الْمَاءَ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَطَّى وَجْهُهُ بِخِرْقَةٍ أَوَّلَ مَا يَضَعُهُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ، ذَكَرَهُ الْمَازِنِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ.
وَالْأَفْضَلُ كَوْنُهُ (بِمَاءٍ بَارِدٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَشُدُّ الْبَدَنَ وَالْمُسَخَّنُ: يُرْخِيهِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى الْمُسَخَّنِ لِوَسَخٍ، أَوْ بَرْدٍ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ أَوْلَى، وَلَا يُبَالَغُ فِي تَسْخِينِهِ لِئَلَّا يُسْرِعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَالْمَاءُ الْمَالِحُ أَوْلَى مِنْ الْعَذْبِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ، قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُغَسَّلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ لِلْخِلَافِ فِي نَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُعِدَّ الْمَاءَ فِي إنَاءٍ كَبِيرٍ وَيُبْعِدَهُ عَنْ الرَّشَاشِ لِئَلَّا يُقَذِّرَهُ، أَوْ يَصِيرَ مُسْتَعْمَلًا، وَيُعِدُّ مَعَهُ إنَاءَيْنِ آخَرَيْنِ صَغِيرًا وَمُتَوَسِّطًا، يَغْرِفُ بِالصَّغِيرِ مِنْ الْكَبِيرِ وَيَصُبُّهُ فِي الْمُتَوَسِّطِ، ثُمَّ يُغَسِّلُهُ بِالْمُتَوَسِّطِ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.
(وَيُجْلِسُهُ الْغَاسِلُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ) بِرِفْقٍ (مَائِلًا إلَى وَرَائِهِ) قَلِيلًا لِيَسْهُلَ خُرُوجُ مَا فِي بَطْنِهِ (وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى كَتِفِهِ وَإِبْهَامَهُ فِي نَقْرَةِ قَفَاهُ) لِئَلَّا تَمِيلَ رَأْسُهُ (وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى) لِئَلَّا يَسْقُطَ (وَيُمِرُّ يَسَارَهُ عَلَى بَطْنِهِ إمْرَارًا بَلِيغًا) أَيْ مُكَرَّرًا الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ مَعَ نَوْعِ تَحَامُلٍ لَا مَعَ شِدَّةٍ؛ لِأَنَّ احْتِرَامَ الْمَيِّتِ وَاجِبٌ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (لِيُخْرِجَ مَا فِيهِ) مِنْ الْفَضَلَاتِ خَشْيَةً مِنْ خُرُوجِهَا بَعْدَ غُسْلِهِ، أَوْ تَكْفِينِهِ، وَتَكُونُ الْمِبْخَرَةُ حِينَئِذٍ مُتَّقِدَةً بِالطِّيبِ كَالْعُودِ وَالْمُعِينُ مُكْثِرًا لِصَبِّ الْمَاءِ لِيُخْفِيَ رِيحَ الْخَارِجِ، بَلْ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ يُسَنُّ أَنْ يُبَخَّرَ عِنْدَهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ، لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ شَيْءٍ فَتَغْلِبُهُ رَائِحَةُ الْبَخُورِ (ثُمَّ يُضْجِعُهُ لِقَفَاهُ) أَيْ مُسْتَلْقِيًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا (وَيُغَسِّلُ بِيَسَارِهِ وَعَلَيْهَا خِرْقَةٌ) مَلْفُوفَةٌ بِهَا (سَوْأَتَيْهِ) أَيْ قُبُلَهُ وَدُبُرَهُ وَكَذَا مَا حَوْلَهَا، كَمَا يَسْتَنْجِي الْحَيُّ بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَالْأَوْلَى خِرْقَةٌ لِكُلِّ سَوْأَةٍ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُبَاعَدَةَ عَنْ هَذَا الْمَحَلِّ أَوْلَى،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَمِثْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ فَالْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ مُتَرَادِفَةٌ خِلَافًا لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ أَمْكَنَ) أَيْ أَسْهَلَ (قَوْلُهُ: وَسَمِعُوا هَاتِفًا يَقُولُ) إنْ قُلْت: الْهَاتِفُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ. قُلْت: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ اجْتِهَادٌ مِنْهُمْ بَعْدَ سَمَاعِ الْهَاتِفِ فَاسْتَحْسَنُوا هَذَا الْفِعْلَ وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ، فَالِاسْتِدْلَالُ إنَّمَا هُوَ بِإِجْمَاعِهِمْ لَا بِسَمَاعِ الْهَاتِفِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بَالِيًا أَيْ سَخِيفًا) تَفْسِيرُهُ بِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُرَادِفٌ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ: سَخُفَ الثَّوْبُ سُخْفًا وِزَانُ قَرُبَ قُرْبًا، وَسَخَافَةً بِالْفَتْحِ رَقَّ لِقِلَّةِ غَزْلِهِ فَهُوَ سَخِيفٌ، وَمِنْهُ رَجُلٌ سَخِيفٌ وَفِي عَقْلِهِ سُخْفٌ: أَيْ نَقْصٌ اهـ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ: بَالِيًا أَوْ سَخِيفًا، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَطَّى وَجْهُهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مَظِنَّةُ التَّغَيُّرِ وَلَا يَنْبَغِي إظْهَارُ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَاءُ الْمَالِحُ أَوْلَى) أَيْ أَصَالَةً فَلَا يَنْدُبُ مَزْجُ الْعَذْبِ بِالْمِلْحِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُغَسَّلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ) أَيْ فَيَكُونُ الْغُسْلُ بِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ: مَعَ نَوْعِ تَحَامُلٍ) أَيْ قَلِيلٍ (قَوْلُهُ: لَا مَعَ شِدَّةٍ) أَيْ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَأَضَرَّهُ التَّحَامُلُ اهـ كَذَا بِهَامِشٍ عَنْ الشَّيْخِ صَالِحٍ الْبُلْقِينِيِّ (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ شَيْءٍ) يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَحَلٍّ وَحْدَهُ لَا يُسَنُّ ذَلِكَ مَا دَامَ وَحْدَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمَلَائِكَةُ تَحْضُرُ عِنْدَ الْمَيِّتِ فَتَنْزِلُ الرَّحْمَةُ عِنْدَهُمْ وَهُمْ يَتَأَذَّوْنَ بِالرَّائِحَةِ الْخَبِيثَةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ خَالِيًا أَوْ لَا (قَوْلُهُ ثُمَّ يُضْجِعُهُ لِقَفَاهُ) فِي تَعْبِيرِهِ بِالِاضْطِجَاعِ تَجُوزُ وَحَقِيقَتُهُ أَنْ يُلْقِيَهُ عَلَى قَفَاهُ فَفِي الْمُخْتَارِ: ضَجَعَ الرَّجُلُ وَضَعَ جَنْبُهُ بِالْأَرْضِ وَبَابُهُ قَطَعَ وَخَضَعَ فَهُوَ ضَاجِعٌ وَأَضْجَعَ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُبَاعَدَةَ عَنْ هَذَا الْمَحَلِّ أَوْلَى) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: وَالْجُمْهُورُ رَأَوْا أَنَّ الْإِسْرَاعَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَالْبُعْدَ عَنْهُ أَوْلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute