فهذا النص أوجب صيام رمضان، وليس قوله جل وعلا:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}[البقرة:١٨٤]؛ لأن الأولى تتكلم عن الثلاثة الأيام لا عن شهر رمضان.
ثم قال الله:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة:١٨٥] أي: من حضره الصيام وهو من أهل رمضان وهو في سفر أو كان مريضاً {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة:١٨٥]، وبهذا يفهم أن التكرار هنا يتكلم عن قضيتين، لكننا لو جعلنا شهر رمضان بدلاً من أيام معدودات يصبح التكرار مرتين، وهذا ينزه عنه كلام الله، لكن الأولى في قول الله جل وعلا:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة:١٨٤] أن تحمل على أن المراد الثلاثة الأيام، وأما قول ربنا في الثانية:{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة:١٨٥] فهو يتكلم عن شهر رمضان؛ لأن الآية عندنا في الأول منسوخة.
وقوله تعالى:((وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ)) بتقدير فأفطر، {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة:١٨٥]، ويلاحظ هنا أنه لا ذكر لقضية التخيير، ولا ذكر لقوله جل وعلا:{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}[البقرة:١٨٤] ولا ذكر كذلك للفدية؛ لأنه لا يوجد إلا صيام وقضاء.
ثم قال تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة:١٨٥]، قوله:{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ}[البقرة:١٨٥] تعليل لأمره جل وعلا بالقضاء في قوله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة:١٨٤]، وقوله تبارك وتعالى:{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}[البقرة:١٨٥] هذا عند إكمال العدة.
وقوله:{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة:١٨٥] أي: على ما أباحه لكم من الفطر حال السفر، أو حال المرض، وبهذا في ظننا تستقيم الآيات، ويمكن تجنب ظن تكرار {مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ}[البقرة:١٨٤]، وهذا خلاف ما عليه جمهور أهل التفسير، فالجمهور على أن شهر رمضان هو نفسه المقصود بأيام معدودات، ويقولون: إن بعض الآيات منسوخة وبعضها غير منسوخ كما هو محرر في كتب الفقهاء.