إذا خرجنا عن هذا الشاهد قليلاً من باب السياحة الثقافية نقول: إنك تلحظ في بيت الشعر هنا الشعور بالخصوصية وعنترة يتكلم عن نفسه، ولهذا قال في نفس المعلقة: ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها قيل الفوارس ويك عنتر أقدم وهذه الفردية والأنانية كانت ذائعة عند الجاهليين، فلما جاء الإسلام أثر في الخطاب الشعري عند العرب، ولهذا جاء في أبيات حسان: عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء وقوله: فإما تعرضوا عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء وقوله: وجبريل أمين الله فينا فروح الجماعة والاتحاد والإخاء موجودة في شعر حسان خلافاً لما كان عليه شعر الجاهليين، وهذا من أثر الإسلام على العرب، ونقلهم من حياة الجاهلية الفردية إلى حياة الإخاء والإخوة في الإسلام سياحة ثقافية بعض الشيء.
قال عز وجل:{ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}[الأنعام:١]، فعدل إذا قلنا: إنها بمعنى: مال وانحرف تصبح الباء بمعنى عن، وإذا قلنا: إنها بمعنى: الإشراك أي: يجعلون مع الله نداً فتبقى الباء على أصلها، وهناك فرقة خرجت عن المألوف الذي عليه أهل الإشراك، فأهل الإشراك وإن كانوا يعبدون مع الله غيره إلا أنهم يعترفون أن الخالق والرازق هو الله، كما قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[لقمان:٢٥]، هذا الأصل في أهل الإشراك فشركهم شرك عبادة، وليس شرك ربوبية، لكن ليس هذا حال جميع أهل الكفر، فهناك فرقة تسمى: المانوية، وهي في العراق أكثر ظهوراً، وهؤلاء ينسبون كل خير إلى النور، وينسبون كل شر وأذى إلى الظلمة، ولا يقولون بوجود الله، وأحياناً يرد عليهم، لكن ليس كل من يرد عليهم ينتصر لعقيدته، وإنما بعض الناس يحكي تجاربه: فـ المتنبي يرد عليهم بقوله: وكم لظلام الليل عندك من يد تُخبِّر أن المانوية تكذب هو أراد أن يقول: كم من نعمة حصل عليها في الليل وكان الليل شفيعاً له في النجاة من محظور، فهو بالتجربة يقول: إن هذه التجارب التي عشتها وعاشرتها تخبر أن ادعاء المانوية: أن الظلمة سبب كل شر لا أصل له، فـ المتنبي رد عليهم لكن من منطلق ذاتي وليس من منطلق عقدي، ومشكلة المتنبي أنه يخرج أو يبعث شعره أو يتكلم من مشكاة نفسه لا من مشكاة معتقدات دينية يحملها، وإنما ما تمليه عليه تجاربه أو ما تمليه عليه قراءته فيقولها للناس.