[تفسير قوله تعالى: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم)]
{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة:١٩١].
معنى: {ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة:١٩١] أي: ظفرتم بهم {وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} [البقرة:١٩١] وقد أخرجوا المسلمين من مكة, وقد وقع هذا للمسلمين بأن فتحوا مكة, فحققوا قول الله: {وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:١٩١] فما وقع منهم من فتنتكم في الدين حتى يردوكم عن دينكم إلى الشرك؛ أعظم من كونكم تقاتلونهم لتسفكوا دماءهم.
ثم قال تعالى: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة:١٩١] وهذا من إطلاق المسجد الحرام على مكة, وفيه بيان لحرمة مكة عند الله, وفي الحديث: (إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض).
وهذا نزدلف به إلى الخلاف القائم بين العلماء: أيهما أفضل مكة أم المدينة؟ جماهير العلماء على أن مكة أفضل من المدينة, ولهم في ذلك دلائل وقرائن من أشهرها: أن الله جل وعلا جعلها موئلاً للخليلين: محمد وإبراهيم عليهما السلام.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف).
ولأن الكعبة في مكة وهي بيت الله.
ولأن الله جل وعلا أوجب الحج إلى مكة وإلى بيته العتيق لا إلى غيره, وغيرها من القرائن كثير.
وذهب الإمام مالك رحمه الله -وهو المشهور عن عمر وابنه عبد الله - وجمهور أتباعه إلى أن المدينة أفضل من مكة؛ لسكنى النبي صلى الله عليه وسلم فيها, ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة).
وقال في حديث آخر: (لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها) فقالوا: إذا كان موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها, فكيف ببلدة فيها روضة من رياض الجنة! وبعض العلماء يفصل فيقول: إن مكة أفضل، ولا يمكن لما فقهه مالك أن يصادم تلك النصوص الشرعية, لكن يقولون: إن المجاورة في المدينة أفضل من المجاورة في مكة.
والعلم عند الله.
يقول الله: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة:١٩١]؛ لأن هذا نوع من القصاص {كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:١٩١ - ١٩٢].
وقطعاً أن الشرك لا يدخله الغفران, فما معنى قول الله {فَإِنِ انتَهَوْا} [البقرة:١٩٢]؟ أي: انتهوا عن الشرك لا عن القتل، وهذا قيد لا بد لك أن تفقهه؛ لأنهم إن بقوا على شركهم ولم يقاتلونا فلن يغفر لهم.
فقوله: {فَإِنِ انتَهَوْا} [البقرة:١٩٢] أي: عن قتالكم وعن الشرك {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:١٩٢].