{ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ}[الكهف:١٢] والمقصود: أيقظناهم، وإلا فهم ليسوا بموتى، وأي لفظ (نعلم) في القرآن جاء بهذه الصيغة: (لنعلم) معناه: ليظهر علم الله.
{لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا}[الكهف:١٢]، اختلف العلماء بالمقصود بالحزبين، والأظهر أنهم الناس الذين اختلفوا في عددهم كما سيأتي بيانه في آخر القصة، لكن يأتي اعتراض هنا: ما الفائدة من معرفة عددهم بالنسبة للأولين، لا بالنسبة لنا؟ ما في معرفة عدد السنين التي لبثوها بالنسبة للأولين؟ فهنا يذكر مسألة مهمة، قالوا: إن هذا لم يذكر إلا لشيء مهم، وهو قوله سبحانه:{لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا}[الكهف:١٢] ومع ذلك -وهذا بقدر الله- لم يتعرض المفسرون لحل هذا الإشكال.
قال الإمام الشنقيطي رحمه الله في (أضواء البيان): ولم أقف على أحد تعرض لهذا الأمر.
ثم حاول -رحمه الله- أن يجيب فقال في جملة كلامه: لعل المقصود في أن يكون أنهم إذا علموا طول الزمن، كان بالنسبة لهم دليلاً على قدرة الله، أن أخرجهم طرية أجسادهم أحياء رغم طول المكث، فلو فرضنا أن الناس لم يعلموا عدد السنين لقالوا هؤلاء طيبون وأبدانهم طرية ربما ناموا يوماً واحداً، أو ناموا يومين، لا غرابة في هذا ولا ضرورة وليس هناك آية من آيات الله خارقة للعادة، لكن عندما يعلم الناس أن هؤلاء لبثوا أكثر من ثلاثمائة سنة أو ثلاثمائة وتسع سنين فيقع في خلجهم صحة هذا المكوث، وهذا يزيدهم علماً بخالقهم جل جلاله؛ لأن عظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق، وعظمة المصنوع تدل على جلال الصانع جل شأنه.
{لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا}[الكهف:١٢]، هذا كله إجمال، ثم فصل تبارك اسمه وعلا شأنه.