وهذا الحدث الجليل تغنى به الشعراء الإسلاميون عبر التاريخ، قال البوصيري -وإن كان في ميميته ما فيها من الشركيات عياذاً بالله، لكن نأخذ منها بيتاً واحداً-: سريت من حرم ليلاً إلى حرم كما سرى البرق في داج من الظلمِ وإن كان قوله: إلى حرم غير صحيح؛ لأن المسجد الأقصى ليس بحرم، لكنه أرض مقدسة، وهناك فرق بين المقدس والمبارك والحرم، وقد تجتمع هذه الأوصاف في مكة والمدينة، وقد يكون مباركاً ومقدساً كالمسجد الأقصى، وقد يكون مقدساً مثل قوله تعالى لموسى:{فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}[طه:١٢] أي: في أرض سيناء، لكنه ليس حرماً، وقد يكون مباركاً؛ لأنه من لوازم التقديس أن يكون مباركاً، هذا ما قاله البوصيري.
أما شوقي فله في الإسراء والمعراج ذكران، الذكر الأول في الميمية، مطلعها: ريم على القاع بين البان والعلم أحل سفك دمي في الأشهر الحرم رمى القضاء بعيني جؤذر أسداً يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم والجؤذر بقر الوحش، تضرب به العرب المثل في جمال العينين لاتساعهما، والأسد معروف، وهو يقصد أن النساء وإن كن ضعافاً فإنهن يغلبن الرجال بأعينهن، وهذا من السياقات التي كانت العرب تعتمدها في شعرها، فهم يبتدئون أشعارهم بالغزل، كقول كعب: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول والقصيدة فيها ضروب شتى من مدح النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الذي يعنينا منها ما تكلم عن حادثة الإسراء والمعراج، فقد ذكر رحمه الله تعالى قضية الإسراء والمعراج، وقال قبلها: الله قسم بين الخلق رزقهم وأنت خيرت في الأرزاق والقَسمِ إن قلت في الأمر لا أو قلت فيه نعم فخيرة الله في لا منك أو نعمِ أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدمِ لما رأوك به -أي بالمسجد- التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم صلى وراءك منهم -أي: من الأنبياء- كل ذي خطر ومن يفز بحبيب الله يأتممِ ثم قال: جبت السماوات أو ما فوقهن دجى على منورة درية اللجم ركوبة لك من عز ومن شرفٍ لا في الجياد ولا في الأينق الرسم حتى بلغت سماءً لا يطار لها على جناح ولا يسعى على قدم ثم بين أن هذا كله منحة ربانية وعطية إلهية: مشيئة الخالق الباري وصنعته وقدرة الله فوق الشك والتُّهمِ وفي الهمزية قال رحمه الله: يا أيها المسرى به شرفاً إلى ما لا تنال الشمس والجوزاءُ يتساءلون وأنت أطهر هيكل بالروح أم بالهيكل الإسراءُ بهما سموت -أي: روحاً وجسداً- مطهرين كلاهما رَوُحٌ وريحانية وبهاء تغشى الغيوب من العوالم كلما طويت سماء قلدتك سماء أنت الذي نظم البرية دينه ماذا يقول وينظم الشعراءُ والذي يعنينا: أن هذا الأمر وإن كان معجزة ظاهرة وكرامة لنبينا صلى الله عليه وسلم إلا أن أمته يلحقها من هذه الكرامة شيء؛ لأن إكرام النبي إكرام للأمة، وإكرام الأمة إكرام لنبيها.
هذا ما يتعلق بقول الله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الإسراء:١].