للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر قصة عمر في الاستئناس]

وتذكر في هذا الباب قصة عمر رضي الله تعالى عنه في قضية الاستئناس والاستئذان، وذلك عمر رضي الله تعالى عنه مر على حائط فيه فتية من الأنصار يشربون الخمر، فتسور الحائط بعد أن تبين له أن هناك سكارى خلفه، فداهمهم وأنكر عليهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين! قد جئنا بواحدة -وهي شرب الخمر- وجئتنا بثلاث: وهي أنك تجسست، والله قد نهى عنه، وقال الله تعالى: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور:٢٧] ولم تستأنس، وقال: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة:١٨٩] وأنت تسورت علينا الحائط، فرجع عنهم وهو يقول: كل الناس أفقه منك يا عمر.

وقد قيل: إن عمر رضي الله تعالى عنه قبل قولهم من باب أنهم استندوا إلى القرآن، ومن علامة التقوى أن يقبل الإنسان الأمر الرباني ولو جاء من أقل منه، وقد قال حافظ رحمه الله تعالى يصور هذا الموقف: وفتية أولعوا بالراح فانتبذوا لهم مكاناً وجدوا في تعاطيها ظهرت حائطهم لما عَلِمَت بهم والليل معتكر الأرجاء ساجيها قالوا مكانك قد جئنا بواحدة وجئتنا بثلاث لا تباليها فأتِ البيوت من الأبواب يا عمر فقد يُزَّنُّ من الحيطان آتيها ولا تجسس فهذي الآيُ قد نزلت بالنهي عنه فلم تذكر نواهيها فعدت عنهم وقد أكبرت حجتهم لما رأيت كتاب الله يمليها وما أنفت وإن كانوا على حرج من أن يحجك بالآيات عاصيها فما دام أن من يخاطبك ويجادلك يخاطبك بهذا النور المبين فإنه يجب عليه أن تقبله، ولو كان هو لا يعمل به؛ لأنه قد أقام الحجة إليك ودعاك بهذا القرآن.

وهذه القصيدة تسمى بالعمرية، وهي موجودة في ديوان حافظ في أكثر من مائتي بيت، كنا نحفظها في زمن الصبا وقد قسمها حافظ باعتبارات جملة أحداث، فقد قال في قصة نصر بن حجاج، الذي كان وسيماً فنفاه عمر إلى الكوفة أو إلى البصرة: جنا الجمال على نصر فغربه عن المدينة تبكيه ويبكيها ثم ذكر الأبيات.

وذكر قضية رسول كسرى حين قدم على عمر فقال في أولها: وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بين الرعية عطلاً وهو راعيها ثم لما قال صاحب كسرى: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر، قال حافظ: أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها وفي تاريخ عمر عزله لـ خالد، فقال: سل قاهر الفرس والرومان هل شفعت له الفتوح وهل أغنت تواليها وذكر عمر وجوعه في عام الرمادة، فقال: يا من صدفت عن الدنيا وزينتها فلم يغررك من دنياك مغريها وقد استطردنا في هذا وإن كنا في كتاب التفسير، ولكن المنهج في تعليمنا للناس هو أننا نفرع كثيراً؛ حتى نبين أن جماع التفسير هو العلم بشتى الفنون، فذلك يقودك إلى أن تكون إماماً في التفسير، وأما من كان معتمداً على فن واحد دون سواه فقل ما يستطيع أن يجري في مضمار علم التفسير؛ لأنه إذا كان القرآن أم العلوم كلها فلابد من أن يكون القائم به مطلعاً على شتى الفنون، قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: بل السنة كلها في آية واحدة: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧].