للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان معنى قوله تعالى (لم يكد يراها)]

قال تعالى: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور:٤٠] أي: في هذه الظلمات كلها يحاول أن يخرج يده، فيخرجها؛ لأنها تتعلق بقدرته الذهنية، وبقدرته الحركية، ولا تتعلق بالرؤية، ولكن هل يراها أن لا؟ قال ربنا: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور:٤٠] وتحرير المسألة أن (كاد) عند النحويين فعل من أفعال المقاربة، وأكثر المفسرين يقول: إن معنى (لم يكد يراها) أي: لم يقرب أن يراها، فكيف يراها؟! ولهم في هذا استدلال بأبيات ل ذي الرمة وغيره.

ولكن الصواب أن يقال: إن (كاد) فعل إذا أثبت دل على النفي، وإذا نفي دل على الإثبات، كما قيل: أنحوي هذا العصر ما هي لفظة جرت على لساني جرهم وثمود إذا استعملت في صورة النفي أثبتت وإن أثبتت قامت مقام جحود أي: مقام النفي والنكرة، وهذه اللفظة هي الفعل (كاد)، كما قال الله جل وعلا: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:١٥]، فالفعل مثبت، وقد أخفاها الله جل وعلا عيناً وقتاً، وقال: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد:١٨]، المهدي والدجال وعيسى، طلوع الشمس من مغربها.

فقوله تعالى: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور:٤٠] معناه -بحسب فهمنا اللغة- أنه يرى شيئاً يسيراً منها، وهذه معضلة، إذ كيف يرى شيئاً يسيراً من النور؟! فهذا هو الذي جعلهم يقولون: إنه لم يقرب أن يراها، فكيف يراها؟! وأظن -والعلم عند الله- أن المقصود بالإظهار البين في النور اليسير من باب إقامة الحجة، أما الذي لا يرى بالكلية -كالمجنون والصغير وأمثالهم- فلا حساب عليه؛ لأنه لم تقم عليه حجة، والعلم عند الله.