للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا)]

ثم قال الله تعالى بعدها: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:٢٠٤ - ٢٠٥].

(من الناس) من هذه بعضية، (من) موصوله، (يعجبك قوله في الحياة الدنيا) أي: يعطى بلاغة ويؤتى بياناً، ومع جرأته على الله يكذب ويقول: إنني أقصد كذا ويشهد الله على ما في قلبه.

ثم قال الله: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة:٢٠٤] فالتجاوز دائماً غير محمود في الشرع حتى في الفصاحة، فإذا كان الإنسان يتفيقه في كلامه ويلوي لسانه حتى يظن أنه بليغ وفصيح فهذا أمر مذموم، فالتكلف مذموم شرعاً، و (ألد الخصام) أي: شدة الخصومة، وقد بينا هذا في دروس لغوية مضت وقلنا: إن الحزن هو شدة التضجر، وبينا أن البث هو شدة الحزن، وذكرنا أن ابن خالويه قاله في كتابه (فقه اللغة وسر العربية).

ثم قال الله: {وَإِذَا تَوَلَّى} [البقرة:٢٠٥] أي: لم يَحُل بينه وبين أغراضه ومكامن قلبه شيء.

((وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) قال بعدها: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:٢٠٥]؛ لأن الذي يصلح الأرض هو الله، فالإفساد في الأرض مصادمة لله الذي أصلح الأرض، فالإفساد في الأرض مصادمة لمراد الله؛ ولهذا قال الله: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} [الأعراف:٥٦]، وأعظم إفساد في الأرض هو الشرك، كما في الحديث: (أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وقد خلقك).

هذا ما تيسر إيراده، وتهيأ إعداده، وأعان الله على قوله، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.