[تفسير قوله تعالى:(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض)]
قال الله تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}[النور:٥٥] قبل أن أشرع في القضايا التاريخية أحرر بعض المسائل العلمية، فما المقصود بالأرض في قوله تعالى:(ليستخلفنهم في الأرض)؟ قال بعض العلماء: إن المقصود بالأرض هنا: مكة؛ لأن المهاجرين أخرجوا منها، فكانوا يسألون الله إياها، وقد تم فتح مكة، فتحقق الوعد الرباني.
(كما استخلف الذين من قبلهم) أي: بنو إسرائيل، ولا خلاف في أن الذين من قبلهم هم بنو إسرائيل، ولكن الخلاف في المراد بالأرض.
وذهب جمهور العلماء إلى أن المقصود بالأرض هنا عموم الأرض، أرض العرب وأرض العجم، بل قالوا: إنه تبعد إرادة مكة؛ لأن الله منع المهاجرين أن يعودوا إلى مكة، والدليل من السنة أن الله جل وعلا منع المهاجرين أن يعودوا إلى مكة أن سعد بن أبي وقاص لما مرض في عام الفتح زاره النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يخشى سعد أن يموت في مكة وقد هاجر منها، فقال صلى الله عليه وسلم:(اللهم امض لأصحابي هجرتهم) ثم قال: (لكن البائس سعد بن خولة)، جاء في تعقيب الراوي:(يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مات بمكة)، وسعد بن خولة غير سعد بن أبي وقاص.
فهذا دليل على أن الأرض ليست مكة، وهذا القول رجحه ابن العربي، ومال إليه القرطبي رحمه الله في تفسيره.