وما مر من آيات فيها فوائد جمة نلخصها فيما يلي: أن القرآن رحمة بالخلائق؛ ولهذا أخبر الله جل وعلا أنه مستحق للحمد؛ لإنزال هذا الكتاب الذي لا عوج فيه، بمعنى: لا خلل في نظمه ولا تعارض في معانيه، بل هو مهيمن على الكتب كلها التي سبقت كما صرح الله جل وعلا بذلك في آيات في غير سورة الكهف من كتابه المبين.
وأخبر تبارك وتعالى أن القرآن إنذار لأهل الإشراك وبشارة لأهل الإيمان، وأن من زعم أن لله الولد وهم اليهود والنصارى ومشركو العرب فقد أعظموا على الله الفرية، وأنهم لا يملكون برهاناً ولا دليلاً ولا قرينة على صحة ما يقولون؛ لأن ما يقولون لا وجود له، والشيء الذي لا وجود له لا يمكن أن يكون عليه برهان ولا بينة ولا سلطان، وأن هذا الأمر يعظم ويكبر في السماوات والأرض كما قال الله جل وعلا في سورة مريم:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا}[مريم:٨٨ - ٩١].
ثم أخبر الله جل وعلا أنه رحمة بعباده ودلالة على وجوده وإظهاراً لعظيم آياته وقدرته، جعل ما على الأرض زينة لها، تتأمله الأعين، وتستلذ به الأنفس ثم لا يلبث ذلك كله أن يضمحل ويذهب، قال الله جل وعلا:((وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا)) [الكهف:٨] بعد أن كان أمراً مشاهداً معيوناً، {صَعِيدًا جُرُزًا}[الكهف:٨] لا نبات فيها ولا شجر ولا ثمار دلالة على قدرة العظيم الجبار، وسبحان من لا يحول ملكه ولا يتغير فيه شيء جل جلاله، قال الله جل وعلا:{وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا}[الكهف:٨].
ثم ذكر الله نبأ فتية في غابر الأزمان، ظن نبينا صلى الله عليه وسلم أن ما وقع لهم هو من أعظم الآيات، لكنهم وإن كان خبرهم من خوارق العادات إلا أنهم ليسوا من أعظم آيات الله، قال الله جل وعلا:{لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}[غافر:٥٧] فخلق السماوات من أكبر الآيات، وكذلك لله جل وعلا آيات أخبرنا ببعضها ولم يخبرنا ببعضها، كلها جملة وتفصيلاً تدل على عظيم قدرته وجليل شأنه.
كما بين جل وعلا وقوف الفتية أمام الطاغية، ثم لما خافوا على دينهم فروا بأنفسهم ولا يلامون على ذلك، وليس كل أحد مطالب بأن يواجه وأن يقتل نفسه، فإن حفظ النفس أمر مقرر شرعاً، فاضطروا إلى الهجرة، واللجوء إلى الكهف، فلما لجئوا إلى الكهف أمّنهم الله جل وعلا من الأعداء، وأغناهم عن جميع الأشياء، ووكلهم إلى حفظه ورحمته، فكان حقاً أن يكونوا في حصن أمين، وكهف يحفظهم الله جل وعلا فيه، كما يأتي تفصيله إن شاء الله.
هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده حول هذا المقطع من السورة، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.