تفسير قوله تعالى:(ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم)
قال الله:{وَلَنْ}[البقرة:٩٥] هذه نفي.
{يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}[البقرة:٩٥]؛ لأنهم علموا أن مصيرهم الهلاك في الآخرة بسبب أعمالهم، فهم لن يتمنوه.
ويتبادر إلى الذهن أن معنى الآية: لن يتمنوا الموت بسبب خوفهم من الآخرة؛ لأن الباء هنا سببية، فلا يتمنون الموت لأنهم يعلمون أنهم كاذبون في دعواهم أنهم سيدخلون الجنة، وأن مصيرهم إلى النار، وهذا ظاهر جداً، لكنني أقول: ليس هذا هو المعنى، وإنما المعنى: لن يقع منهم التمني حبساً من الله لهم بسبب معاصيهم، يعني أن الله جل وعلا منعهم أن تنطق ألسنتهم بالتمني الذي يردون به على النبي؛ لأن لهم معاصي اجترءوا بها على الله، فخذلهم الله جل وعلا ونكس بهم حتى إنهم لا يقدرون أن يقاوموا نبيه صلى الله عليه وسلم ويجادلوه، وهذا ظاهر.
قال الله جل وعلا:{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}[البقرة:٩٥] هنا نقف وقفة مرت مع جار الله الزمخشري في (لن يتمنوه أبداً) وهي منصوبة، فهو يقول: إن رؤية الله جل وعلا مستحيلة شرعاً وقدراً في الآخرة، وهذه الآية تبين خطأ ما ذهب إليه الزمخشري؛ لأن الله أثبت أن اليهود لا يتمنون الموت، قال:{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا}[البقرة:٩٥]، وذكر في آية أخرى أن أهل النار يتمنون الموت:{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}[الزخرف:٧٧]، ومعلوم قطعاً أن اليهود من جملة أهل النار، فكونهم يتمنون الموت واقع لا محالة في الآخرة، ومع ذلك نفاه الله هنا، فالنفي هنا نفي في الحياة الدنيا ولا يستمر في الآخرة؛ لأنه يقع منهم تمني الموت في النار، فعلى هذا تبطل حجة الزمخشري بقوله: إن لن للتأبيد تفيد النفي في الدنيا والآخرة، ولو لم يكن هذا قائماً للحجة اللغوية التي قررناها فإنه محجوج بالنصوص والآثار القاطعة برؤية أهل النعيم لربهم تبارك وتعالى والتمتع بالنظر إلى وجهه الكريم.