للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (قال رب اشرح لي صدري واجعل لي وزيراً من أهلي)

قال تعالى: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه:٢٥]، كلمة (رب) مكتوبة من غير ياء، وحتى تستريح من عناء أشياء كفاك الله هم البحث عنها اعلم أنه لا يوجد في القرآن (رب) بصيغة دعاء مناداة موصولة بياء، بل كلها مكونة من حرفين الراء والباء المشددة.

فأول ما سأل الله جل وعلا أن يشرح له صدره لهذا التكليف {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} [طه:٢٥ - ٢٦]، وأن ييسر له الأمر، ولا ييسر العسر إلا الله، ثم قال: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي) * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي} [طه:٢٧ - ٢٨].

قوله: ((وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي))، سيأتي الحديث عنها في درس قادم، لكن نتوقف عند قول الله: ((وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي) فنقول: إن موسى عليه الصلاة والسلام معلوم أنه نشأ في قصر فرعون، فلما نشأ كان فرعون على وجل منه؛ لأنه قد سبقته رؤيا أن غلاماً من بني إسرائيل سيكون على يديه هلاك ملكه فكان يتحرز، فلما نشأ موسى رضيعاً نشأ فصيحاً، فخاف منه فأراد أن يقتله، فأرادت زوجته آسية أن تمنعه من ذلك، فبعد أخذ وعطاء بينهما اتفقا على أن يختبر موسى، فقدم له جمر ولؤلؤ، وقيل: جمر وتمر، أو تمر في إناء من ياقوت، وجمر من نار ليختار أحدهما، فذهبت يده إلى التمر أو إلى الياقوت، المهم أنها لم تذهب إلى الجمر، فقيل: إن جبريل جاء ووضع يده على الجمر حتى يكون ذلك سبباً في بقائه، والله جل وعلا يجعل للأشياء أسباباً وإذا أراد الله شيئاً هيأ له أسبابه، فوضع الجمرة في فيه فلذعته، فلما لذعته أصابته هذه الحبسة التي في لسانه والبطء في كلامه، وهذه الحبسة قد عيره بها فرعون كما في آية الزخرف في قول الله عنه: {أم أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:٥٢]، أي: لا يكاد يظهر كلامه ولا يفصح ولا يفقه ماذا يقول، ولذلك هنا لأن مقام الدعوة يحتاج إلى شيء من البيان مع العلم بأمور كثيرة قال موسى: ((وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي) نقول: إن الله تعالى ذكر على لسان موسى أنه طلب حل عقدة واحدة، قال العلماء في هذا: إن موسى كان يطلب الأمور على قصد ولم يرد أن يظهر أنه فصيح ويشار إليه بالبنان ويذكره بنو جنسه، وإنما أراد ما يكتفي به في أن يبلغ دعوة ربه.

وقد فهم منها العلماء أنه الإنسان أن يقتصد في أمور الدنيا إذا كان مصدراً للإمامة في الدين بالقدر الذي يقيم به حاله، ولا يتجاوز الحد، ثم إن الله جل وعلا ختم هذه السؤالات بقوله: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه:٣٦]، وسيأتي بيانه في موضعه.