للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (قل أغير الله أتخذ ولياً)

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شعار ودثار ولواء أهل التقوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فما زلنا نتفيأ ظلال سورة الأنعام، وهي السورة التي ذكر المفسرون أنها نزلت جملة واحدة، وانتهينا إلى قول الحق تبارك وتعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} [الأنعام:١٤ - ١٦].

وقد حررنا أن الآية أصل في التوحيد، وإذا كانت أصلاً في التوحيد فإن الله جل وعلا في تناسب آياتها قال في الآية التي قبلها: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:١٢]، فهو مالك قادر، وفي ذات الوقت رحيم، وهذا يجعل العبد لا يتخذ ولياً غير الله، فبين الله جل وعلا أولاً ما له من صفات الكمال ونعوت الجلال، ثم بعد ذلك بعد أن بين هذا بجلاء وأخبر به خلقه وخوفهم بلقائه قال جل وعلا لنبيه: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ} [الأنعام:١٤] والهمزة للاستفهام {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا} [الأنعام:١٤].

والمرء في حياته وفي مسيرته لا بد له ممن يحفظه ويكلؤه ويرعاه ويهديه ويعينه وينفعه، وهذه كلها منتفية في حق كل أحد إلا في حق الله، فلا يقدر عليها إلا الله، فمن اتخذ ولياً غير الله فلن ينفعه هذا الذي اتخذه مثقال حبة من خردل.

فبعد أن بين الله جل وعلا ما له تبارك وتعالى من نعوت الجمال وكمال الجلال قال لنبيه: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا} [الأنعام:١٤] وهذا استفهام إنكاري على صنيعهم، فهو صلى الله عليه وسلم لا يمكنه أن يقبل بولي غير الله.

قال تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ} [الأنعام:١٤] وكلمة (فاطر) مأخوذة من الفعل (فطر)، وهي اسم فاعل، فهو جل وعلا فاطر السماوات والأرض، أي: خلقهما على غير مثال سبق، وقد جرت عادة المفسرين إذا أتوا ليفسروا قول الله جل وعلا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [فاطر:١] أن يذكروا خبر ابن عباس أن رجلين اختصما عنده في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، ففهم ابن عباس أن مراده أنني أوجدتها وأنه ليس أحد سبقني إليها، فعرف تفسير الآية، وهذا يدل على أن كلمة (فطر) لم تكن شائعة ذائعة في العرب؛ لأنها لو كانت شائعة ذائعة في العرب لما خفيت على الحبر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ويظهر أنها كانت مستخدمة في بعض البوادي، ولهذا فقه ابن عباس من خبر أولئك الخصمين.