قال ربنا:{لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ}[الزخرف:١٣]، وقد مر معنا أن الفعل استوى إما أن يتعدى بحرف الجر (على) أو بحرف الجر (إلى) أو لا يتعدى بحرف جر، وإن تعدى بحرف الجر (على) فمعناه: العلو والارتفاع، ومنه هذه الآية:{تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ}[الزخرف:١٣] أي: إذا ارتفعتم، وإذا تعدى بحرف الجر (إلى) يصبح معنى القصد، نحو {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}[فصلت:١١] أي: قصدها.
وإذا لم يتعدى بحرف جر لا (على) ولا (إلى) واكتفى بعدم التعدية وأصبح لازماً دل على الكمال والتمام والنضج، قال ربنا عن كليمه وصفيه موسى:{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى}[القصص:١٤] أي: كمل ونضج وتم أمره.
{لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ}[الزخرف:١٣] أي: بقلوبكم، فيقع في قلبك أولاً تعظيم هذا الرب الجليل الذي سخر لك هذا، والتسخير في اللغة: التذليل والتطويع، فإذا وقع في القلب الاعتراف بفضل الله وأن القوة الجسدية التي نملكها ليست هي التي سخرت لنا الفلك، وليست هي التي سخرت لنا الأنعام، واستقر هذا في القلب جاء الأمر الإلهي بأن يترجم ما وقع في القلب من يقين إلى أن يكون نطقاً باللسان منصوصاً عليه، قال ربنا:{وَتَقُولُوا}[الزخرف:١٣] أي: بألسنتكم، {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}[الزخرف:١٣] أي: مطيعين طوع الأمر، بمعنى: ذلك.
وقد كان هذا يقال على ظهور الدواب واليوم يقال على مقاعد السيارات والطائرات، وأما استخدامه أو قوله عند المصاعد فليس له دليل؛ لأن المصاعد حلت بديلاً عن السلالم ولم تحل بديلاً عن الدواب، وأما السيارات والطائرات فقد حلت بديلاً عن الدواب، والتقيد بالنصوص أمر محمود وإن كان كل هذا سخره الله جل وعلا للعباد.