للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرح بولاية الله تعالى]

فهنا يقول الله جل وعلا: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا} [الأنعام:١٤] وهذا استفهام إنكاري شديد {فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأنعام:١٤] ولا ريب في أن الإنسان يجب عليه أن يسلم قلبه لله ويفرح كل الفرح بولاية الله له، وقد جاء في دعاء الصالحين الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي: (اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت).

ونقف هنا قليلاً في شأن الحسن بن علي رضي الله عنه، فـ الحسن بن علي سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس للرسول صلى الله عليه وسلم إلا سبطان: الحسن والحسين، وكان له سبط آخر مات، وهو محسن.

والسبط ابن البنت، والحفيد ابن الابن، فابن الابن يسمى حفيداً، وابن البنت يسمى سبطاً.

والانتساب إلى آل بيته صلى الله عليه وسلم واسع فكل بني هاشم من آل بيته، ولكن الانتساب إليه صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكون إلا عن طريق الحسن أو الحسين، وقد كانا من فاطمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، والحسن هو الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم دعاء القنوت فإذا تتبعت سيرته ستجد منها ما يلي: أولاً: أن النبي كان ينشئه على قيام الليل؛ لأن الحسن عندما مات النبي صلى الله عليه وسلم كان صغيراً جداً لم يتجاوز تسع سنين، فمعنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه القنوت وقيام الليل مبكراً؛ لأن علياً رضي الله عنه ما تزوج فاطمة إلا بعد بدر، وبدر في السنة الثانية، ثم جاءت بـ الحسن، فلو فرضنا أنها جاءت بـ الحسن في آخر السنة الثانية، فسيكون عمر الحسن عندما مات النبي صلى الله عليه وسلم لا يتجاوز ثمان أو تسع سنين، وهو أحد خمسة يشبهون النبي صلى الله عليه وسلم في هيئته، وهم الحسن بن علي، وقثم بن العباس، وفضل بن العباس، وأبو سفيان بن الحارث ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاع، وجعفر بن أبي طالب، فهؤلاء الخمسة كانوا يشبهون النبي صلى الله عليه وسلم في هيئته الخَلْقية صلوات الله وسلامه عليه.

والحسن أمه فاطمة، ويجري الخلاف بين العلماء فيمن هي أفضل نساء العالمين، والمسألة فيها أربعة أقوال مشهورة: قول بأنها فاطمة، وقول بأنها خديجة، وقول بأنها عائشة، وقول بالتوقف، والذي يترجح عندنا -والعلم عند الله- أنها فاطمة، وأسباب الترجيح ثلاثة: أولها: قوله صلى الله عليه وسلم لها: (أنت سيدة نساء أهل الجنة).

الثاني: أنه جرى تحرير الحديث النبوي في قضية المصائب أن الإنسان إذا فقد أحداً كان المفقود في ميزان من فقده، فإذا كان هناك ابن وأب وكان الأب رجلاً صالحاً فمات، فصبر الابن واحتسبه، كان الأب في ميزان الابن، ولو فرضنا أن الابن مات قبل أبيه كان الابن في ميزان أبيه، فـ عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى كان له ابن يقال له عبد الملك، وكان أشد صلاحاً من أبيه وأعظم تقىً وورعاً، وهو الذي طالب أباه في أول أيام الخلافة بأن يرد المظالم، فقال له عمر: إن قومك بنوا هذه المظالم عقدة عقدة، ولا يمكن حلها إلا بفكها عقدة عقدة.

والشاهد أن عبد الملك في حياة أبيه عمر بن عبد العزيز، فلما وصل إلى قبره ودفنه قال: الحمد الله الذي جعلك في ميزاني ولم يجعلني في ميزانك؛ لأن الميزان ثقيل باعتبار ظاهره.

فهذا الأمر إذا قسناه على فاطمة، فإن جميع أبناء وبنات النبي صلى الله عليه وسلم ماتوا قبله، فكل أبنائه وبناته عليه الصلاة والسلام في ميزانه، أما فاطمة فالنبي صلى الله عليه وسلم في ميزانها، فإن قال لك قائل: إن النبي في ميزاننا جميعاً فقل: نعم، هذا حق، ولكنه في ميزاننا لأننا من أمته، وفي ميزان الصحابة لأنهم من أمته وأصحابه، وفي ميزان أمهات المؤمنين لأنهن من أمته وزوجاته، وفي ميزان فاطمة أشد، لأنه نبيها، وفي المقام الأول هو أبوها صلوات الله وسلامه عليه، فهذا السبب الثاني.

السب الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن فاطمة بضعة مني) ولهذا ذهب بعض المحدثين غير المشهورين في زمن ابن عباس إلى أن هذا وحده كافٍ في ترجيح فضل فاطمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد تنبه الذهبي إلى هذه المسألة لما تكلم على فاطمة رضي الله عنها في كتابه الشهير (الأعلام) فقال: هي الجهة المصطفوية والبضعة النبوية.

والذي يعنينا أن الحسن بن علي علمه النبي صلى الله عليه وسلم دعاء القنوت وفيه طلب الولاية.