[تفسير قوله تعالى:(وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات)]
لما ذكر الله مآل أهل الكفر ذكر مآل أهل الإيمان، وغالب القرآن أنه يختم بمآل الصالحين، كما في قوله تعالى:((يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ)) [آل عمران:١٠٦] ثم ختم الآية بقوله: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[آل عمران:١٠٧].
وهنا قال:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ}[البقرة:٢٥] الآمر بالبشارة هو الله، والمكلف بالتبشير محمد صلى الله عليه وسلم، والمبشَّر المؤمنون، والمبشَّر به:{جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ}[البقرة:٢٥].
قطاف الجنة دانية، يرون الثمرة ويقطفونها ويأكلونها فتنبت غيرها، فإذا نبت غيرها نظروا إليها، فهذه التي نبتت هي في هيئتها مثل التي قطفت تماماً، لكنها غيرها في الطعم، هذا أصح ما قيل في هذه المسألة.
وقيل: إنها مقارنة بين ثمار الدنيا وثمار الآخرة، وقيل غير ذلك، لكن أظهر ما قيل هو ما حررناه: أنهم يرون الثمرة ويقطفونها ويأكلونها وتنبت غيرها، فإذا نبت مكانها غيرها تكون شبيهة بالأول، فإذا استطعموها مرةً أخرى وجدوها مخالفة للأولى، وهذا معنى قول الله:(وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا)، ولم يقل: متماثلاً، والفرق أن خيار الدنيا حسن وأحسن، أما خيار الجنة لا رذل فيه، وعبارة: خيار الجنة لا رذل فيه منسوبة لـ قتادة بن دعامة السدوسي أحد المفسرين المشاهير، وقد كان أكمه -أعمى- رحمه الله رحمة واسعة.
وقوله:(كُلَّمَا) لغوياً تفيد الاستمرار، ومن الأخطاء الشائعة في الاستعمال أن الناس يكررونها يقولون: كلما ذهبت إلى زيد كلما وجدت عمراً عنده، هذا خطأ، إنما تذكر كلما في الأول فقط ولا تكررها كما قال ربنا:(كُلَّمَا رُزِقُوا) أي: المؤمنون {مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا}[البقرة:٢٥]، وضمت اللام في (قبل) لأنها مبنية على الضم لانقطاعها عن الإضافة، فإذا أضيفت أصبحت اسماً معرباً تجري عليه الأحكام، كقوله تعالى:{مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ}[النور:٥٨] و {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ}[النور:٥٨]، فقبل وبعد هنا جرت وعوملت معاملة الاسم المعرب لأنها أضيفت، فإذا انقطعت عن الإضافة انتقلت من كونها اسماً معرباً تجري عليه الحركات إلى كونها اسماً مبنياً.
قال الله تعالى:{قَالُوا}[البقرة:٢٥] أي: المؤمنون {هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ}[البقرة:٢٥] أي: المؤمنون {فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ}[البقرة:٢٥] مطهرة من كل سوء، خذها بعمومها أفضل، {وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة:٢٥] لأنه لا ينغص في الدنيا إلا الموت؛ ولهذا ينادى أهل الجنة:(أن حياة بلا موت).